كانت كبرياء دولة الروم قد جعلتها تأبى عليه حق الحياة، و حملها على أن تقتل من أتباعها من يدخل فيه، كما فعلت بفروة بن عمرو الجذامي الذي كان واليا على معان من قبل الروم.
و نظرا إلى هذه الجراءة و الغطرسة أخذ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) يجهز جيشا كبيرا في صفر سنة 11 ه، و أمر عليه أسامة بن زيد بن حارثة، و أمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء و الداروم من أرض فلسطين، يبغي بذلك إرهاب الروم و إعادة الثقة إلى قلوب العرب الضاربين على الحدود، حتى لا يحسبنّ أحد أن بطش الكنيسة لا معقب له، و أن الدخول في الإسلام يجر على أصحابه الحتوف فحسب.
و تكلم الناس في قائد الجيش لحداثة سنه، و استبطئوا في بعثه، فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم): «إن تطعنوا في إمارته، فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، و أيم اللّه إن كان لخليقا للإمارة، و إن كان من أحب الناس إليّ، و إن هذا من أحب الناس إلي بعده [1]».
و انتدب الناس يلتفون حول أسامة، و ينتظمون في جيشه، حتى خرجوا و نزلوا الجرف، على فرسخ من المدينة، إلا أن الأخبار المقلقة عن مرض رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) أكرهتهم على التريث، حتى يعرفوا ما يقضي اللّه به، و قد قضى اللّه أن يكون هذا أول بعث ينفذ في خلافة أبي بكر الصديق [2].
[1] صحيح البخاري. باب بعث النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم) أسامة 2/ 612.