يحبنا و نحبه» و تسامع الناس بمقدمة، فخرج النساء و الصبيان و الولائد يقابلن الجيش بحفاوة بالغة و يقلن [1]:
طلع البدر علينا* * * من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا* * * ما دعا للّه داع
و كان خروجه (صلّى اللّه عليه و سلم) إلى تبوك في رجب و عوده في رمضان، و استغرقت هذه الغزوة خمسين يوما. أقام منها عشرين يوما في تبوك. و البواقي قضاها في الطريق جيئة و ذهوبا.
و كانت هذه الغزوة آخر غزواته (صلّى اللّه عليه و سلم).
المخلفون
و كانت هذه الغزوة- لظروفها الخاصة بها- اختبارا شديدا من اللّه تعالى، امتاز به المؤمنون من غيرهم. كما هو دأبه تعالى في مثل هذه المواطن، حيث يقول: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران: 179] فقد خرج لهذه الغزوة كل من كان مؤمنا صادقا، حتى صار التخلف أمارة على نفاق الرجل، فكان الرجل إذا تخلف و ذكروه لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) قال لهم: «دعوه، فإن يكن فيه خير سيلحقه اللّه بكم، و إن يكن غير ذلك فقد أراحكم منه»، فلم يتخلف إلا من حبسهم العذر، أو الذين كذبوا اللّه و رسوله من المنافقين، الذين قعدوا بعد أن استأذنوا للقعود كذبا، أو قعدوا و لم يستأذنوا رأسا. نعم كان هناك ثلاثة نفر من المؤمنين الصادقين تخلفوا من غير مبرر. و هم الذين أبلاهم اللّه، ثم تاب عليهم.
و لما دخل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) المدينة بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فأما المنافقون- و هم بضعة و ثمانون رجلا [2]- فجاؤوا يعتذرون بأنواع شتى من الأعذار، و طفقوا يحلفون له، فقبل منهم علانيتهم، و بايعهم، و استغفر لهم، و وكل سرائرهم إلى اللّه.
و أما النفر الثلاثة من المؤمنين الصادقين- و هم كعب بن مالك، و مرارة بن الربيع، و هلال بن أمية- فاختاروا الصدق، فأمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) الصحابة أن لا يكلموا هؤلاء
[2] ذكر الواقدي أن هذا العدد كان من منافقي الأنصار. و أن المعذرين من الأعراب كانوا أيضا اثنين و ثمانين رجلا من بني غفار و غيرهم. و أن عبد اللّه بن أبي و من أطاعه من قومه كانوا من غير هؤلاء ذكر عدد كبير (انظر فتح الباري 8/ 119).