أدنى العدو، ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم، قد أشار علي بشيء صنعته، فو اللّه ما أدري هل يغني عني شيئا أم لا؟ قالوا: و بم أمرك؟ قال: أمرني أن أجير بين الناس، ففعلت، قالوا: فهل أجاز ذلك محمدا؟ قال: لا. قالوا: ويلك، إن زاد الرجل على أن لعب بك.
قال: لا و اللّه ما وجدت غير ذلك.
التهيؤ للغزوة و محاولة الإخفاء
يؤخذ من رواية الطبراني أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) أمر عائشة- قبل أن يأتي إليه خبر نقض الميثاق بثلاثة أيام- أن تجهزه، و لا يعلم أحد، فدخل عليها أبو بكر، فقال: يا بنية ما هذا الجهاز؟ قالت: و اللّه ما أدري. فقال: و اللّه ما هذا زمان غزو بني الأصفر، فأين يريد رسول اللّه؟
قالت: و اللّه لا علم لي. و في صباح الثالثة جاء عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين راكبا، و ارتجز: يا رب إني ناشد محمدا ... الأبيات. فعلم الناس بنقض الميثاق، و بعد عمرو جاء بديل ثم أبو سفيان و تأكد عند الناس الخبر، فأمرهم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بالجهاز، و أعلمهم أنه سائر إلى مكة. و قال: اللهم خذ العيون و الأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها.
و زيادة في الإخفاء و التعمية بعث رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) سرية قوامها ثمانية رجال تحت قيادة أبي قتادة بن ربعي إلى بطن أضم فيما بين ذي خشب و ذي المروة على ثلاثة برد من المدينة، و في أول شهر رمضان سنة 8 ه، ليظن الظان أنه (صلّى اللّه عليه و سلم) يتوجه إلى تلك الناحية، و لتذهب بذلك الأخبار، و واصلت هذه السرية سيرها، حتى إذا وصلت حيثما أمرت بلغها أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) خرج إلى مكة، فسارت إليه حتى لحقته [1].
و كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش كتابا يخبرهم بمسير رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) إليهم، ثم أعطاه امرأة، و جعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا، فجعلته في قرون رأسها، ثم خرجت به، و أتى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث عليا و المقداد، فقال:
«انطلقا حتى تأتيا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب إلى قريش»، فانطلقا تعادي بهما
[1] و هذه السرية لقيت عامر بن الأضبط، فسلم عليهم بتحية الإسلام، فقتله محلم بن جثامة لشيء كان بينهما، و أخذ بعيره و متبعه، فأنزل اللّه: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً الآية، و جاءوا بمحلم ليستغفر له رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، فلما قام بين يديه قال: اللهم لا تغفر لمحلم، و قالها ثلاثا، فقام و إنه ليتلقى دموعه بطرف ثوبه، قال ابن إسحاق: و زعم قومه أنه استغفر له بعد ذلك. انظر زاد المعاد 2/ 150، و ابن هشام 2/ 626، 627، 628.