و قد اعتنق النصرانية العرب الغساسنة و قبائل تغلب وطئ و غيرهما لمجاورة الرومان، بل قد اعتنقها بعض ملوك الحيرة.
أما المجوسية فكان معظمها في العرب الذين كانوا بجوار الفرس، فكانت في عراق العرب و في البحرين- الأحساء- و هجر و ما جاورها من منطقة سواحل الخليج العربي، و دان لها رجال من اليمن في زمن الاحتلال الفارسي.
أما الصابئية فقد دلت الحفريات و التنقيبات في بلاد العراق و غيرها أنها كانت ديانة قوم إبراهيم الكلدانيين، و قد دان بها كثير من أهل الشام، و أهل اليمن في غابر الزمان، و بعد تتابع الديانات الجديدة من اليهودية و النصرانية تضعضع بنيان الصابئية و خمد نشاطها، و لكن لم يزل في الناس بقايا من أهل هذه الديانة مختلطين مع المجوس، أو مجاورين لهم، في عراق العرب، و على شواطئ الخليج العربى [1].
الحالة الدينية
كانت هذه الديانات هي ديانات العرب حين جاء الإسلام، و قد أصاب هذه الديانات الانحلال و البوار، فالمشركون الذين كانوا يدعون أنهم على دين إبراهيم كانوا بعيدين عن أوامر و نواهي شريعة إبراهيم، مهملين ما أتت به من مكارم الأخلاق. فكثرت معاصيهم، و نشأ فيهم على توالي الزمان ما ينشأ في الوثنيين من عادات و تقاليد تجري مجرى الخرافات الدينية، و أثرت في الحياة الاجتماعية و السياسية و الدينية تأثيرا بالغا جدا.
أما اليهود فقد انقلبت رياء و تحكما، و صار رؤساؤها أربابا من دون اللّه، يتحكمون في الناس و يحاسبونهم حتى على خطرات النفس و همسات الشفاه، و جعلوا همهم الحظوة بالمال و الرئاسة، و إن ضاع الدين و انتشر الإلحاد و الكفر و التهاون بالتعاليم التي حض اللّه عليها و أمر كل فرد بتقديسها.
و أما النصرانية فقد عادت وثنية عسرة الفهم، و أوجدت خلطا عجيبا بين اللّه و الإنسان، و لم يكن لها في نفوس العرب المتدينين بهذا الدين تأثير حقيقي، لبعد تعاليمها عن طراز المعيشة التي ألفوها، و لم يكونوا يستطيعون الابتعاد عنها.
و أما سائر أديان العرب فكانت أحوال أهلها كأحوال المشركين، فقد تشابهت قلوبهم، و تواردت عقائدهم، و توافقت تقاليدهم و عوائدهم.