لفقرهما، و كان ينفق منها على أهله نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي في السلاح و الكراع عدة في سبيل اللّه.
كانت غزوة بني النضير في ربيع الأول سنة 4 من الهجرة، أغسطس 635 م.
و أنزل اللّه في هذه الغزوة سورة الحشر بأكملها، فوصف طرد اليهود، و فضح مسلك المنافقين، و بين أحكام الفيء، و أثنى على المهاجرين و الأنصار، و بين جواز القطع و الحرق في أرض العدو للمصالح الحربية، و أن ذلك ليس من الفساد في الأرض، و أوصى المؤمنين بالتزام التقوى و الاستعداد للآخرة، ثم ختمها بالثناء على نفسه و بيان أسمائه و صفاته.
و كان ابن عباس يقول عن سورة الحشر: قل: سورة النضير [1].
غزوة نجد
و بهذا النصر الذي أحرزه المسلمون- في غزوة بني النضير- دون تضحيات توطد سلطانهم في المدينة، و تخاذل المنافقون عن الجهر بكيدهم، و أمكن الرسول (صلّى اللّه عليه و سلم) أن يتفرغ لقمع الأعراب الذين آذوا المسلمين بعد أحد، و تواثبوا على بعوث الدعاة يقتلون رجالها في نذلة و كفران [2]، و بلغت بهم الجرأة إلى أن أرادوا القيام بجر غزوة على المدينة.
فقبل أن يقوم النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) بتأديب أولئك الغادرين نقلت إليه استخبارات المدينة بتحشد جموع البدو و الأعراب من بني محارب و بني ثعلبة من غطفان، فسارع النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) إلى الخروج، يجوس فيافي نجد، و يلقي بذور الخوف في أفئدة أولئك البدو القساوة، حتى لا يعاودوا مناكرهم التي ارتكبوها مع المسلمين.
و أضحى الأعراب الذين مردوا على النهب و السطو لا يسمعون بمقدم المسلمين إلا حذروا و تمنعوا في رءوس الجبال. و هكذا أرهب المسلمون هذه القبائل المغيرة و خلطوا بمشاعرهم الرعب، ثم رجعوا إلى المدينة آمنين.
و قد ذكر أهل المغازي و السير بهذا الصدد غزوة معينة غزاها المسلمون في أرض نجد في شهر ربيع الثاني أو جمادى الأولى سنة 4 ه، و يسمون هذه الغزوة بغزوة ذات
[1] ابن هشام 2/ 190، 191، 192، زاد المعاد 2/ 71، 110، صحيح البخاري 2/ 574، 575.