من أصحابه يقتلون، و تأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته و تأول الدرع بالمدينة».
ثم قدم رأيه إلى صحابته أن لا يخرجوا من المدينة. و أن يتحصنوا بها، فإن أقام المشركون بمعسكرهم أقاموا بشر مقام و بغير جدوى، و إن دخلوا المدينة قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة، و النساء من فوق البيوت، و كان هذا هو الرأي. و وافقه على هذا الرأي عبد اللّه بن أبيّ بن سلول- رأس المنافقين- و كان قد حضر المجلس بصفته أحد زعماء الخزرج. و يبدو أن موافقته لهذا الرأي لم تكن لأجل أن هذا هو الموقف الصحيح من حيث الوجهة العسكرية، بل ليتمكن من التباعد عن القتال دون أن يعلم بذلك أحد، و شاء اللّه أن يفتضح هو و أصحابه- لأول مرة- أمام المسلمين، و ينكشف عنهم الغطاء الذي كان كفرهم و نفاقهم يكمن وراءه، و يتعرف المسلمون في أحرج ساعتهم على الأفاعي التي كانت تتحرك تحت ملابسهم و أكمامهم.
فقد بادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر، فأشاروا على النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم) بالخروج، و ألحوا عليه في ذلك، حتى قال قائلهم: يا رسول اللّه، كنا نتمنى هذا اليوم و ندعوا اللّه، فقد ساقه إلينا و قرب المسير، اخرج إلى أعدائنا، لا يرون أنا جبنّا عنهم.
و كان في مقدمة هؤلاء المتحمسين حمزة بن عبد المطلب عم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)- الذي كان قد رأى فرند سيفه في معركة بدر- فقد قال للنبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم): و الذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم طعاما حتى أجالدهم بسيفي خارج المدينة [1].
و رفض رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) رأيه أمام رأي الأغلبية، و استقر الرأي على الخروج من المدينة، و اللقاء في الميدان السافر.
تكتيب الجيش الإسلامي و خروجه إلى ساحة القتال:
ثم صلى النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم) بالناس يوم الجمعة، فوعظهم و أمرهم بالجد و الاجتهاد، و أخبر أن لهم النصر بما صبروا، و أمرهم بالتهيؤ لعدوهم، ففرح الناس بذلك.
ثم صلى بالناس العصر، و قد حشدوا و حضر أهل العوالي، ثم دخل بيته، و معه