بطون عدنان- و هم بنو بكر بن عبد مناف بن كنانة- بمحاربة جرهم، حتى أجلتهم عن مكة، و استولت على حكمها، في أواسط القرن الثاني للميلاد.
و لما لجأت جرهم إلى الجلاء سدوا بئر زمزم، و درسوا موضعها، و دفنوا فيها عدة أشياء، قال ابن إسحاق: فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي [1] بغزالي الكعبة [2]، و بحجر الركن الأسود فدفنهما في بئر زمزم، و انطلق هو و من معه من جرهم إلى اليمن، فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة و ملكها حزنا شديدا، و في ذلك قال عمرو [3]:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا* * * أنيس و لم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا* * * صروف الليالي و الجدود العواثر
و يقدر زمن إسماعيل (عليه السلام) بعشرين قرنا قبل الميلاد، فتكون إقامة جرهم في مكة واحدا و عشرين قرنا تقريبا، و حكمهم على مكة زهاء عشرين قرنا. و استبدت خزاعة بأمر مكة دون بني بكر،
[خلال قبائل مضر]
إلا أنه كان إلى قبائل مضر ثلاث خلال:
الأولى: الدفع بالناس من عرفة إلى المزدلفة
، و الإجازة بهم يوم النفر من منى، و كان يلي ذلك بنو الغوث بن مرة من بطون إلياس بن مضر، و كانوا يسمون: صوفة و معنى هذه الإجازة أن الناس كانوا لا يرمون يوم النفر حتى يرمي رجل من صوفة، ثم إذا فرغ الناس من الرمي، و أرادوا النفر من منى أخذت صوفة بجانبي العقبة، فلم يجز أحد حتى يمروا، ثم يخلون سبيل الناس، فلما انقرضت صوفة ورثهم بنو سعد بن زيد مناة من تميم.
و استمرت ولاية خزاعة على مكة ثلاثمائة سنة [5]. و في وقت حكمهم انتشر
[1] هذا غير مضاض الجرهمي الأكبر الذي مضى ذكره في قصة إسماعيل (عليه السلام).
[2] قال المسعودي: و كانت الفرس تهدي إلى الكعبة أموالا في صدر الزمان و جواهر، و قد كان ساسان بن بابك أهدى غزالين من ذهب و جواهر و سيوفا و ذهبا كثيرا فقذفه (عمرو) في بئر زمزم اه انظر مروج الذهب 1/ 205.