responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 42
أَوِ الْفَوَاضِلِ، وَهِيَ مَا يَتَعَدَّى أَثَرُهُ مِنَ الْفَضْلِ إِلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْفَضْلِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَمْدَ عَلَى الْفَضَائِلِ وَصِفَاتِ الْكَمَالِ إِنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، مَا عَدَا هَذَا مِنَ الثَّنَاءِ تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ مَدْحًا. يُقَالُ: مَدْحُ الرِّيَاضِ، وَمَدْحُ الْمَالِ، وَمَدْحُ الْجَمَالِ، وَلَا يُطْلَقُ الْحَمْدَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَقِيلَ: هُمَا مُتَرَادِفَانِ. وَالْمَقَامُ الْمَحْمُودُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَا يُحْمَدُ فِيهِ لِمَا يَنَالُهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْ خَيْرِ دُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ مَا ذُكِرَ هُوَ الْحَمْدُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ لِبَعْضٍ، وَأَمَّا اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فَإِنَّهُ يُحْمَدُ لِذَاتِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مَصْدَرُ جَمِيعِ الْوُجُودِ الْمُمْكِنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْخَيِّرَاتِ وَالنِّعَمِ، أَوْ مُطْلَقًا خُصُوصِيَّةً لَهُ، إِذْ لَيْسَتْ ذَاتُ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ كَذَاتِهِ، وَيُحْمَدُ لِصِفَاتِهِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا وَآثَارِهَا كَمَا سَتَرَى بَيَانَهُ فِي تَفْسِيرِ الرَّبِّ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ.
(رَبِّ الْعَالَمِينَ يُشْعِرُ هَذَا الْوَصْفُ بِبَيَانِ وَجْهِ الثَّنَاءِ الْمُطْلَقِ، وَمَعْنَى الرَّبِّ: السَّيِّدُ الْمُرَبِّي الَّذِي يَسُوسُ مَسُودَهُ وَيُرَبِّيهِ وَيُدَبِّرُهُ، وَلَفْظُ " الْعَالِمَيْنِ " جَمْعُ عَالَمٍ بِفَتْحِ اللَّامِ جُمِعَ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ الْعَاقِلِ تَغْلِيبًا، وَأُرِيدَ بِهِ جَمِيعُ الْكَائِنَاتِ الْمُمْكِنَةِ، أَيْ: إِنَّهُ رَبُّ كُلِّ مَا يَدْخُلُ فِي مَفْهُومِ لَفْظِ الْعَالَمِ. وَمَا جَمَعَتِ الْعَرَبُ لَفْظَ الْعَالَمِ هَذَا الْجَمْعَ إِلَّا لِنُكْتَةٍ تُلَاحِظُهَا فِيهِ، وَهِيَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُطْلَقُ عِنْدَهُمْ عَلَى كُلِّ كَائِنٍ وَمَوْجُودٍ كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ، وَإِنَّمَا يُطْلِقُونَهُ عَلَى كُلِّ جُمْلَةٍ مُتَمَايِزَةٍ لِأَفْرَادِهَا صِفَاتٌ تُقَرِّبُهَا مِنَ الْعَاقِلِ الَّذِي جُمِعَتْ جَمْعَهُ، إِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُ فَيُقَالُ: عَالَمُ الْإِنْسَانِ، وَعَالَمُ الْحَيَوَانِ، وَعَالَمُ النَّبَاتِ. وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ هِيَ الَّتِي يَظْهَرُ فِيهَا مَعْنَى التَّرْبِيَةِ الَّذِي يُعْطِيهِ لَفْظُ " رَبٍّ "؛ لِأَنَّ فِيهَا مَبْدَأَهَا وَهُوَ الْحَيَاةُ وَالتَّغَذِّي وَالتَّوَلُّدُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْحَيَوَانِ. وَلَقَدْ كَانَ السَّيِّدُ (أَيْ جَمَالُ الدِّينِ الْأَفْغَانِيُّ) رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى يَقُولُ: الْحَيَوَانُ شَجَرَةٌ قُطِعَتْ رِجْلُهَا مِنَ الْأَرْضِ فَهِيَ تَمْشِي، وَالشَّجَرَةُ حَيَوَانٌ سَاخَتْ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ، فَهُوَ قَائِمٌ فِي مَكَانِهِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنَامُ وَلَا يَغْفُلُ.
هَذَا مُلَخَّصُ مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ. وَأَزِيدُ الْآنَ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ:
إِنَّ الْمُرَادَ بِالْعَالَمِينِ هُنَا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِدْرَاكِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَيُؤْثَرُ عَنْ جَدِّنَا الْإِمَامِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ عَلَيْهِ الرِّضْوَانُ. أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّاسُ فَقَطْ كَمَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَذَاكَ اسْتِعْمَالُ الْقُرْآنِ فِي مِثْلِ: " (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ) (26: 165) أَيِ النَّاسِ، وَمِثْلِ " (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (25: 1) " وَيَرَى بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ عَلَى هَذَا مُشْتَقٌّ مِنَ الْعِلْمِ. وَمَنْ قَالَ: يَعُمُّ جَمِيعَ أَجْنَاسِ الْمَخْلُوقَاتِ يَرَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَلَامَةِ، وَرُبُوبِيَّةُ اللهِ لِلنَّاسِ تَظْهَرُ بِتَرْبِيَتِهِ إِيَّاهُمْ، وَهَذِهِ التَّرْبِيَةُ قِسْمَانِ:

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 42
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست