responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 403
لِنَبِيِّهِ (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) أَيْ إِذَا كَانَ اللهُ قَدِ ارْتَضَى لِلنَّاسِ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ بِاعْتِرَافِكُمْ وَتَصْدِيقِ كُتُبِكُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ وُجُودِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، فَلِمَاذَا لَا تَرْضُونَ أَنْتُمْ تِلْكَ الْمِلَّةَ لِأَنْفُسِكُمْ؟ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالْمَرْضِيِّ عِنْدَ اللهِ أَمِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُرْضِيهِ وَمَا لَا يُرْضِيهِ؟ لَا شَكَّ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.
وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ قِرَاءَةَ (أَمْ يَقُولُونَ) بِالتَّحْتِيَّةِ شَاذَّةٌ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا سَبْعِيَّةٌ يَكُونُ فِي الْكَلَامِ الْتِفَاتٌ. (وَأَقُولُ) : قِرَاءَةُ التَّاءِ هِيَ لِابْنِ عَامِرٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَحَفْصٍ، وَهِيَ لِلْخِطَابِ، وَقِرَاءَةُ الْيَاءِ لِلْبَاقِينَ، فَلَا عِبْرَةَ بِعَدِّ ابْنِ جَرِيرٍ إِيَّاهَا شَاذَّةً.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) ؟ فِي هَذَا الِاسْتِفْهَامِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُتَمِّمٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ: إِنَّ عِنْدَكُمْ شَهَادَةً مِنَ اللهِ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَلَى حَقٍّ، وَكَانَ مَرْضِيًّا عِنْدَ اللهِ - تَعَالَى - فَإِذَا كَتَمْتُمْ ذَلِكَ لِأَجْلِ الطَّعْنِ بِالْإِسْلَامِ، فَقَدْ كَتَمْتُمْ شَهَادَةَ اللهِ، وَكُنْتُمْ أَظْلَمَ الظَّالِمِينَ، وَإِذَا اعْتَرَفْتُمْ بِهِ فَإِمَّا أَنْ تَقُولُوا: إِنَّكُمْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ مِنَ اللهِ بِمَا يُرْضِيهِ، وَإِمَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةُ وَتَحِقَّ عَلَيْكُمُ الْكَلِمَةُ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِمَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ مِنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ ثَابِتٌ، لَا يَقْبَلُ مُرَاوَغَةَ مُبَاهِتٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ أَظْهَرُ - أَنَّ الشَّهَادَةَ الْمَكْتُومَةَ هِيَ شَهَادَةُ الْكِتَابِ الْمُبَشِّرَةِ بِأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ فِيهِمْ نَبِيًّا مِنْ بَنِي إِخْوَتِهِمْ، وَهُمُ الْعَرَبُ أَبْنَاءُ إِسْمَاعِيلَ، وَكَانُوا - وَلَا يَزَالُونَ - يَكْتُمُونَهَا بِالْإِنْكَارِ عَلَى غَيْرِ الْمُطَّلِعِ عَلَى التَّوْرَاةِ وَبِالتَّحْرِيفِ عَلَى الْمُطَّلِعِ، فَهُوَ يُبَيِّنُ هُنَا - بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَى أَنَّ زَعْمَهُمْ حَصْرَ الْوَحْيِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بَاطِلٌ - أَنَّ هُنَاكَ شَهَادَةً صَرِيحَةً بِأَنَّ اللهَ سَيَبْعَثُ فِيهِمْ نَبِيًّا مِنَ الْعَرَبِ، فَكَانَ هَذَا دَلِيلًا ثَالِثًا وَرَاءَ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ) وَالدَّلِيلِ الْإِلْزَامِيِّ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) . . . إِلَخْ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ:
إِنْ هَؤُلَاءِ إِلَّا مُجَادِلُونَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ، مُبَاهِتُونَ لِلنَّبِيِّ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ نَبِيٌّ، إِذْ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَشْتَبِهُوا فِي أَمْرِهِ بَعْدَ شَهَادَةِ كِتَابِهِمْ لَهُ؛ فَإِذَا كَانَ ظُلْمُهُمْ أَنْفُسَهُمْ قَدِ انْتَهَى بِهِمْ إِلَى آخِرِ حُدُودِ الظُّلْمِ - وَهُوَ كِتْمَانُ شَهَادَةِ اللهِ - تَعَالَى - تَعَصُّبًا لِجِنْسِيَّتِهِمُ الدِّينِيَّةِ، الَّتِي ارْتَبَطَ بِهَا الرُّؤَسَاءُ بِالْمَرْءُوسِينَ بِرَوَابِطِ الْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ مَالٍ وَجَاهٍ - فَكَيْفَ يُنْتَظَرُ مِنْهُمْ أَنْ يُصْغُوا إِلَى بَيَانٍ، أَوْ يَخْضَعُوا لِبُرْهَانٍ؟ وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا يَتَضَمَّنُ التَّوْبِيخَ وَالتَّقْرِيعَ الْمُؤَكَّدَيْنِ بِالْوَعِيدِ فِي قَوْلِهِ: (وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ، وَإِنَّمَا الْجَزَاءُ عَلَى الْأَعْمَالِ، ثُمَّ خَتَمَ الْمُحَاجَّةَ بِتَأْكِيدِ أَمْرِ الْعَمَلِ، وَعَدَمِ فَائِدَةِ النَّسَبِ فَقَالَ:
(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْئَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وَإِنَّمَا تُسْئَلُونَ عَنْ أَعْمَالِكُمْ وَتُجَازَوْنَ عَلَيْهَا، فَلَا يَنْفَعُكُمْ وَلَا يَضُرُّكُمْ سِوَاهَا، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ يُثْبِتُهَا كُلُّ دِينٍ قَوِيمٍ، وَكُلُّ عَقْلٍ سَلِيمٍ، وَلَكِنَّ قَاعِدَةَ الْوَثَنِيَّةِ الْقَاضِيَةَ بِاعْتِمَادِ النَّاسِ فِي طَلَبِ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ، وَبَعْضِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا عَلَى كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ تَغْلِبُ مَعَ الْجَهْلِ كُلَّ دِينٍ وَكُلَّ عَقْلٍ،

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 403
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست