responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 347
ثُمَّ أَمَرَ اللهُ - تَعَالَى - الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يُقَابِلُوا هَذَا الْحَسَدَ وَمَا يَنْبَعِثُ عَنْهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِمْ مِنْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، فَقَالَ: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) ، وَلَمْ يَقُلْ: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا عَنْهُمْ لِإِرَادَةِ
الْعُمُومِ، أَيْ عَامِلُوا جَمِيعَ النَّاسِ بِالصَّفْحِ وَالْعَفْوِ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِشَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) (25: 63) .
أَقُولُ: الْعَفْوُ تَرْكُ الْعِقَابِ عَلَى الذَّنْبِ (إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً) (9: 66) وَالصَّفْحُ: الْإِعْرَاضُ عَنِ الْمُذْنِبِ بِصَفْحَةِ الْوَجْهِ، فَيَشْمَلُ تَرْكَ الْعِقَابِ وَتَرْكَ اللَّوْمِ وَالتَّثْرِيبِ.
(قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ) : وَفِي أَمْرِهِ - تَعَالَى - لَهُمْ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى قِلَّتِهِمْ هُمْ أَصْحَابُ الْقُدْرَةِ وَالشَّوْكَةِ؛ لِأَنَّ الصَّفْحَ إِنَّمَا يُطْلَبُ مِنَ الْقَادِرِ عَلَى خِلَافِهِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا يُغْرَّنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ كَثْرَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ مَعَ بَاطِلِهِمْ فَإِنَّكُمْ عَلَى قِلَّتِكُمْ أَقْوَى مِنْهُمْ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، فَعَامِلُوهُمْ مُعَامَلَةَ الْقَوِيِّ الْعَادِلِ لِلْقَوِيِّ الْجَاهِلِ، (قَالَ) : وَفِي إِنْزَالِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى ضَعْفِهِمْ مَنْزِلَ الْأَقْوِيَاءِ، وَوَضْعِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى كَثْرَتِهِمْ مَوْضِعَ الضُّعَفَاءِ، إِيذَانٌ بِأَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ هُمُ الْمُؤَيَّدُونَ بِالْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَأَنَّ الْعِزَّةَ لَهُمْ مَا ثَبَتُوا عَلَى حَقِّهِمْ، وَمَهْمَا يَتَصَارَعُ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ فَإِنَّ الْحَقَّ هُوَ الَّذِي يَصْرَعُ الْبَاطِلَ، كَمَا قُلْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ، وَإِنَّمَا بَقَاءُ الْبَاطِلِ فِي غَفْلَةِ الْحَقِّ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ - تَعَالَى -: (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) فَوَعَدَهُمْ بِأَنْ سَيَمُدُّهُمْ بِمَعُونَتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُمْ بِنَصْرِهِ، ثُمَّ أَحَالَهُمْ بِقَوْلِهِ: (إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) عَلَى قُدْرَتِهِ النَّافِذَةِ الَّتِي لَا يَشِذُّ عَنْهَا شَيْءٌ فِي الْعَالَمِينَ تَأْيِيدًا لِلْوَعْدِ، وَكَشْفًا لِشُبْهَةِ مَنْ عَسَاهُ يَقُولُ: أَنَّى لِهَذِهِ الشِّرْذِمَةِ الْقَلِيلَةِ الْعَدَدِ، الضَّعِيفَةِ الْقُوَى، أَنْ تَنْتَحِلَ لِنَفْسِهَا وَصْفَ الْمُلُوكِ الْعَالِينَ، وَتَقِفَ مَعَ الْأُمَمِ الْقَوِيَّةِ مَوْقِفَ الْعَافِينَ الْقَادِرِينَ؟ فَجَاءَ الْجَوَابُ يَقُولُ لِمِثْلِ هَذَا الْمُشْتَبِهِ: إِنَّ الَّذِي أَوْقَفَهَا هَذَا الْمَوْقِفَ، وَمَنَحَهَا هَذَا الْوَصْفَ، وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَهَبَهَا مِنَ الْقُوَّةِ مَا تَتَضَاءَلُ دُونَهُ جَمِيعُ الْقُوَى، وَهُوَ مَا يُؤَيِّدُ بِهِ سُبْحَانَهُ مَنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ وَيَثْبُتُ عَلَيْهِ (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (22: 40) وَقَدْ فَعَلَ.
أَقُولُ: جَعَلَ شَيْخُنَا الْأَمْرَ فِي الْغَايَةِ الَّتِي قَيَّدَ بِهَا الْعَفْوَ وَالصَّفْحَ وَاحِدَ الْأُمُورِ، إِذْ فَسَّرَهُ بِالنَّصْرِ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ جَعَلُوهُ وَاحِدَ الْأَوَامِرِ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِقِتَالِهِمْ، وَيُعَبِّرُ بَعْضُهُمْ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَيَعْنُونَ آيَةَ التَّوْبَةِ الَّتِي فِيهَا حُكْمُ الْجِزْيَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُرَادُ هُنَا الْأَمْرُ بِقَتْلِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ تَوْقِيتٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى مَنْسُوخًا، أَيْ فِي عُرْفِ الْأُصُولِيِّينَ، وَإِنْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَغَيْرِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَاهَدَ جَمِيعَ الْيَهُودِ الْمُجَاوِرِينَ لَهُ فِي الْمَدِينَةِ عَهْدًا أَمَّنَهُمْ فِيهِ عَلَى

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 347
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست