responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 289
بَادِيَ الرَّأْيِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَامْتَثَلُوا وَانْتَظَرُوا النَّتِيجَةَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَ فِي جَوَابِهِمْ هَذَا رَمْيٌ لِمُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالسَّفَهِ وَالْجَهَالَةِ (قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) أَيْ أَلْتَجِئُ إِلَى اللهِ وَأَعْتَصِمُ بِتَأْدِيبِهِ إِيَّايَ مِنَ الْجَهَالَةِ وَالْهُزْءِ بِالنَّاسِ.
(قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ) أَيْ مَا الصِّفَاتُ الْمُمَيِّزَةُ لَهَا؟ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ السُّؤَالَ مِمَّا هِيَ لَيْسَ جَارِيًا هُنَا عَلَى اصْطِلَاحِ عُلَمَاءِ
الْمَنْطِقِ مِنْ جَعْلِهِ سُؤَالًا عَنْ حَقِيقَةِ الْمَاهِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى حَسَبِ أُسْلُوبِ اللُّغَةِ، وَالْعَرَبُ يَسْأَلُونَ بِ " مَا " عَنِ الصِّفَاتِ الَّتِي تَمَيِّزُ الشَّيْءَ فِي الْجُمْلَةِ كَالَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْجَوَابِ (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ) أَيْ غَيْرُ مُسِنَّةٍ، انْقَطَعَتْ وِلَادَتُهَا (وَلَا بِكْرٌ) لَمْ تَلِدْ بِالْمَرَّةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا الَّتِي لَمْ تَلِدْ كَثِيرًا (عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ) الْعَوَانُ: النَّصَفُ فِي السِّنِّ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَهَائِمِ، أَيْ هِيَ بَيْنَ مَا ذُكِرَ مِنَ السِّنَّيْنِ الْفَارِضِ وَالْبِكْرِ، فَالْمُشَارُ إِلَيْهِ بِكَلِمَةِ (ذَلِكَ) مُتَعَدِّدٌ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ مُنْفَرِدًا. وَ (بَيْنَ) مِنَ الْكَلِمِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْمُتَعَدِّدِ تَقُولُ: جَلَسْتُ بَيْنَهُمْ أَوْ بَيْنَهُمَا، وَلَا تَقُولُ: جَلَسْتُ بَيْنَهُ، وَاسْتِعْمَالُ الْإِشَارَةِ وَالضَّمِيرِ الْمُفْرَدَيْنِ فِيمَا هُوَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ عَلَى تَقْدِيرِ: التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالْمَذْكُورِ، أَوْ " مَا ذُكِرَ " كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ ... كَأَنَّهُ فِي الْجِسْمِ تَوْلِيعُ الْبَهَقْ
ذَكَرَ هَذَا الْوَصْفَ الْمُمَيِّزَ لِلْبَقَرَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَقَالَ: (فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ) وَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ وَالْمُبَادَرَةُ بَعْدَهُ لِلْامْتِثَالِ، وَلَكِنَّهُمْ أَبَوْا إِلَّا تَنَطُّعًا وَاسْتِقْصَاءً فِي السُّؤَالِ (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) الْفَاقِعُ: الشَّدِيدُ الصُّفْرَةِ فِي صَفَاءٍ بِحَيْثُ لَا يُخَالِطُهُ لَوْنٌ آخَرُ، وَبَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يَخُصُّهُ بِالْأَصْفَرِ، بَلْ يَجْعَلُهُ وَصْفًا لِكُلِّ لَوْنٍ صَافٍ.
وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكْتَفُوا بِهَذِهِ الْمُمَيِّزَاتِ وَلَكِنَّهُمْ زَادُوا تَنَطُّعًا إِذْ (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) وَقَدْ أَرَادُوا بِهَذَا السُّؤَالِ زِيَادَةَ التَّمْيِيزِ كَكَوْنِهَا عَامِلَةً أَوْ سَائِمَةً (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ) سَائِمَةٌ (لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ) أَيْ غَيْرُ مُذَلَّلَةٍ بِالْعَمَلِ فِي الْحِرَاثَةِ وَلَا فِي السَّقْيِ (مُسَلَّمَةٌ) مِنَ الْعُيُوبِ، أَوْ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ (لَا شِيَةَ فِيهَا) أَيْ لَيْسَ فِيهَا لَوْنٌ آخَرُ غَيْرَ الصُّفْرَةِ الْفَاقِعَةِ. وَالشِّيَةُ: مَصْدَرٌ كَالْعِدَةِ مِنْ وَشَى الثَّوْبَ يَشِيهُ إِذَا جَعَلَ فِيهِ خُطُوطًا مِنْ غَيْرِ لَوْنِهِ بِنَحْوِ تَطْرِيزٍ. وَلَمَّا اسْتَوْفَى جَمِيعَ الْمُمَيِّزَاتِ وَالْمُشَخِّصَاتِ وَلَمْ يَرَوْا سَبِيلًا إِلَى سُؤَالٍ آخَرَ (قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) أَيْ وَمَا قَارَبُوا أَنْ يَذْبَحُوهَا إِلَّا بَعْدَ أَنِ انْتَهَتْ أَسْئِلَتُهُمْ، وَانْقَطَعَ مَا كَانَ مِنْ تَنَطُّعِهِمْ وَتَعَنُّتِهِمْ.
رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا ((لَوْ ذَبَحُوا
أَيَّ بَقَرَةٍ أَرَادُوا لَأَجْزَأَتْهُمْ، وَلَكِنْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِمْ)) وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ مَرْفُوعًا مُرْسَلًا.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 289
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست