responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 208
فَتَقَهَا هِيَ وَالسَّمَاوَاتِ مِنَ الْمَادَّةِ الدُّخَانِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ رَتْقًا، وَفِيهِ دَلَالَةٌ أَوْ إِشَارَةٌ - عَلَى الْأَقَلِّ - إِلَى أَنَّهَا كُرَةٌ أَوْ كَالْكُرَةِ فِي الِاسْتِدَارَةِ، وَإِلَّا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِدَحْوِهَا وَدَحْرَجَتِهَا حَرَكَتَهَا بِقُدْرَتِهِ - تَعَالَى - فِي فَلَكِهَا (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (36: 40) وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ بَسَطَهَا أَيْ وُسَّعَهَا وَمَدَّ فِيهَا، وَأَنَّهُ سَطَحَهَا أَيْ جَعَلَ لَهَا سَطْحًا وَاسِعًا يَعِيشُ عَلَيْهِ النَّاسُ وَغَيْرُهُمْ، فَمَنْ جَعَلَ مَسْأَلَةَ كُرَوِيَّتِهَا وَسَطْحِهَا أَمْرَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ يَقُولُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا قَوْمٌ يَطْعَنُونَ فِي الْآخَرِينَ فَقَدْ ضَيَّقُوا مِنَ اللُّغَةِ وَالدِّينِ وَاسِعًا بِقِلَّةِ بِضَاعَتِهِمْ فِيهِمَا مَعًا.
وَحَاصِلُ الْقَوْلِ: أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - خَلَقَ هَذِهِ الْأَرْضَ وَهَذِهِ السَّمَاوَاتِ الَّتِي فَوْقَنَا بِالتَّدْرِيجِ وَمَا أَشْهَدَنَا خَلْقَهُنَّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَنَا مَا ذَكَرَهُ لِلْاسْتِدْلَالِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَلِلْامْتِنَانِ عَلَيْنَا بِنِعْمَتِهِ، لَا لِبَيَانِ تَارِيخِ تَكْوِينِهِمَا بِالتَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَقَاصِدِ الدِّينِ، فَابْتِدَاءُ الْخَلْقِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَا تَرْتِيبُهُ، إِلَّا أَنَّ تَسْوِيَةَ السَّمَاءِ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ يُظْهِرُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ تَكْوِينِ الْأَرْضِ، وَيُظْهِرُ أَنَّ السَّمَاءَ كَانَتْ مَوْجُودَةً إِلَّا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ سَبْعًا، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الِاسْتِوَاءَ إِلَيْهَا وَقَالَ: (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) (2: 29) فَنُؤْمِنُ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِحِكَمٍ يَعْلَمُهَا، وَقَدْ عَرَضَ عَلَيْنَا ذَلِكَ لِنَتَدَبَّرَ وَنَتَفَكَّرَ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَزْدَادَ عِلْمًا فَلْيَطْلُبْهُ مِنَ الْبَحْثِ فِي الْكَوْنِ (وَعَلَيْهِ بِدِرَاسَةِ مَا كَتَبَ الْبَاحِثُونَ فِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَمَا اكْتَشَفَ الْمُكْتَشِفُونَ مِنْ شُئُونِهِ وَلْيَأْخُذْ مِنْ ذَلِكَ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الصَّحِيحُ لَا بِمَا يَتَخَرَّصُ بِهِ الْمُتَخَرِّصُونَ وَيَخْتَرِعُونَهُ مِنَ الْأَوْهَامِ وَالظُّنُونِ) وَحَسْبُهُ أَنَّ الْكِتَابَ أَرْشَدَهُ إِلَى ذَلِكَ وَأَبَاحَهُ لَهُ.
هَذِهِ الْإِبَاحَةُ لِلنَّظَرِ وَالْبَحْثِ فِي الْكَوْنِ، بَلْ هَذَا الْإِرْشَادُ إِلَيْهَا بِالصِّيَغِ الَّتِي تَبْعَثُ الْهِمَمَ وَتُشَوِّقُ النُّفُوسَ، كَكَوْنِ كُلِّ مَا فِي الْأَرْضِ مَخْلُوقًا لَنَا مَحْبُوسًا عَلَى مَنَافِعِنَا هُوَ مِمَّا امْتَازَ بِهِ الْإِسْلَامُ فِي تَرْقِيَةِ الْإِنْسَانِ، فَقَدْ خَاطَبَنَا الْقُرْآنُ بِهَذَا عَلَى حِينِ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ كَانُوا مُتَّفِقِينَ فِي تَقَالِيدِهِمْ وَسِيرَتِهِمُ الْعَمَلِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ وَالدِّينَ ضِدَّانِ
لَا يَجْتَمِعَانِ، وَالْعِلْمَ وَالدِّينَ خَصْمَانِ لَا يَتَّفِقَانِ، وَأَنَّ جَمِيعَ مَا يَسْتَنْتِجُهُ الْعَقْلُ خَارِجًا عَنْ نَصِّ الْكِتَابِ فَهُوَ بَاطِلٌ.
وَلِذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآنُ يُلِحُّ أَشَدَّ الْإِلْحَاحِ بِالنَّظَرِ الْعَقْلِيِّ، وَالتَّفَكُّرِ وَالتَّدَبُّرِ وَالتَّذَكُّرِ، فَلَا تَقْرَأُ مِنْهُ قَلِيلًا إِلَّا وَتَرَاهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ الْأَكْوَانَ، وَيَأْمُرُكَ بِالنَّظَرِ فِيهَا وَاسْتِخْرَاجِ أَسْرَارِهَا، وَاسْتِجْلَاءِ حُكْمِ اتِّفَاقِهَا وَاخْتِلَافِهَا (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (10: 101) (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) (29: 20) (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) (22: 46) (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (88: 17) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ جِدًّا، وَإِكْثَارُ الْقُرْآنِ مِنْ شَيْءٍ دَلِيلٌ عَلَى تَعْظِيمِ شَأْنِهِ وَوُجُوبِ الِاهْتِمَامِ بِهِ، وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَثِّ عَلَى النَّظَرِ فِي الْخَلِيقَةِ - لِلْوُقُوفِ عَلَى أَسْرَارِهَا بِقَدْرِ الطَّاقَةِ وَاسْتِخْرَاجِ عُلُومِهَا لِتَرْقِيَةِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ الَّذِي خُلِقَتْ هِيَ لِأَجْلِهِ - مُقَاوَمَةُ تِلْكَ التَّقَالِيدِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 208
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست