هذه الآية
كالتى قبلها تعداد للنعم الصارفة عن العصيان والكفر ، الداعية إلى الإيمان والطاعة
، فإن خلق آدم على تلك الصورة ، وما أوتيه من نعمة العلم وحسن التصرف في الكون ،
وجعله خليفة الله في أرضه ـ لمن أجل النعم التي يجب على ذريته أن يشكروه عليها
بحسن طاعته ، والبعد عن كفرانه ومعصيته.
وفيها وفيما
بعدها قصص لأخبار النشأة الإنسانية أبرز فيه حكما وأسرارا جاءت فى صورة مناظرة
وحوار ـ وهو من المتشابه الذي لا يمكن حمله على المعنى الظاهر منه ، لأنه إما
استشارة من الله لعباده ، وذلك محال ، وإما إخبار منه للملائكة فاعتراض منهم
ومحاجّة ، وذلك لا يليق بالله ولا بملائكته بحسب ما جاء في وصفهم في قوله : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) ومن ثم كان للعلماء في هذا وأمثاله رأيان :
(ا) رأى
المتقدمين منهم ، وهو تفويض الأمر إلى الله في بيان المراد من كلامه ، مع العلم
بأنه لا يخبرنا بشىء إلا لنستفيد به في أخلاقنا وأعمالنا ، بذكر ما يقرّب المعاني
إلى عقولنا.
فهذا الحوار
المصوّر بصورة القول والمراجعة والسؤال والجواب لا ندرك حقيقة المراد منه ، وان
كنا نجزم بأن هناك مقاصد أريد إفادتها بهذه العبارات ، وأن الله كان يعدّ لآدم هذا
الكون ، وأن لذلك المحلوق كرامة لديه بما أودعه فيه من فضائل ومزايا ، وفائدة ذكر
ذلك لنا من نواح عدة :
(١) بيان أن لا
مطمع للإنسان في معرفة جميع أسرار الخليقة وحكمها ، فالملائكة وهم أولى منا بعلمها
عجزوا عن معرفتها.
(٢) أن الله قد
هدى الملائكة بعد حيرتهم ، وأجابهم عن سؤالهم ، بأن أرشدهم