كفارهم أيضا ، وأمتعهم بهذا الرزق أمدا قليلا وهو مدة وجودهم في الدنيا ،
ثم أسوقهم إلى عذاب النار سوقا اضطراريا لا اختيار لهم فيه ، ولا يعلمون أن عملهم
ينتهى بهم إليه.
ذاك أن أعمال
البشر التي تقع باختيارهم ، لها آثار وغايات اضطرارية تنتهي بهم إليها وتكون نتيجة
لها بحسب ما وضعه الله في نظام الكون من وجود المسبّبات عقب وجود أسبابها ،
فالإسراف في الشهوات يفضى إلى بعض الأمراض في الدنيا ، كذلك الكفار والفساق
مختارون في كفرهم وفسوقهم ، وستكون نتيجة ذلك سوقهم إلى عذاب النار بمقتضى السنن
الموضوعة.
وكل أعمال
الإنسان النفسية والبدنية لها الأثر الذي يفضى بصاحبها إلى السعادة أو الشقاء ،
وهى أعمال كسبية اختيارية ؛ فالإنسان متمكن من اختيار الحق وترك الباطل وترك
الخبيث وفعل الطيب بما أعطاه الله من العقل وبما نزل عليه من الوحى ، فإذا حاد عن
ذلك يكون قد ظلم نفسه وعرّضها للعذاب والشقاء بأعماله التي مبدؤها كسبىّ وأثرها
اضطراري.
وهذه السنن
بقضاء الله وتقديره ، ومن ثم يصح أن يقال إن الله قد اضطر الكافر إلى العذاب
وألجأه إليه ، وجعل الأرواح المدنّسة بالأخلاق الذميمة أو بالعقائد الفاسدة محل
سخطه وموضع انتقامه في الآخرة ، كما جعل أصحاب الأمراض القذرة عرضة للأمراض في
الدنيا.