فإن لم تتمنوه
، بل كنتم شديدى الحرص على هذه الحياة ، فما أنتم بصادقى الإيمان.
وهذه حجة تنطبق
على الناس عامة ، فيجب على المسلمين أن يجعلوها ميزانا يزنون به دعواهم اليقين بالإيمان
والقيام بحقوق الله ، فإن ارتاحت نفوسهم لبذل أرواحهم فى سبيل الله والذّود عن
الدين كانوا مؤمنين حقا ، وإن ضنّوا بها وكانوا شديدى الحرص على الحياة إذا جدّ
الحدّ ودعا الداعي كانوا بعكس ما يدّعون.
(وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ
أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي ولن يقع منهم هذا التمني بحال ، لأنهم يعرفون ما
اجترحته أنفسهم من المعاصي والذنوب التي يستحقون بها العقوبة كتحريف التوراة ،
والكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم مع البشارة به في كتابهم.
والعرب تسند
الفعل إلى الأيدى لأن أكثر الأعمال تزاول بها ، ويجعلون المراد بها الشخص.
(وَاللهُ عَلِيمٌ
بِالظَّالِمِينَ) أي والله يعلم أنهم ظالمون في حكمهم بأن الدار الآخرة
خالصة لهم ، وأن غيرهم من الشعوب محروم منها.
ولا يخفى ما في
هذا من التهديد والوعيد.
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ
أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) أي إنهم يحبون الإخلاد إلى الأرض ، ويعملون كل ما
يوصلهم إلى البقاء فيها. فلا ثقة لهم بأنفسهم فيما يزعمون ، وتلك سيرتهم فى كل
زمان وإن كان الكلام مع من كان في عصر التنزيل.
وهكذا القرآن
يرسل عليهم سيلا من الحجاج ، فيشاغبون ويعاندون ، اعتزازا بشعبهم ، واغترارا
بكتابهم.
(وَمِنَ الَّذِينَ
أَشْرَكُوا) أي إنهم أحرص من جميع الناس حتى من الذين أشركوا ، وفي
هذا توبيخ وإيلام عظيم لهم ، إذ أن المشركين لا يؤمنون ببعث ولا يعرفون إلا هذه