responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 631
كِنَايَةٌ عَمَّا جَعَلَ اللَّهُ فِي سَجِيَّتِهِ مِنَ الدَّلَائِلِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَإِلَى شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ؟
فَجُعِلَتِ الدَّلَالَةُ قولا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْقَوْلِ حَقِيقَةً، فَاخْتَلَفُوا مَتَى قِيلَ لَهُ ذَلِكَ. فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَقَبْلَ الْبُلُوغِ، وَذَلِكَ عِنْدَ اسْتِدْلَالِهِ بِالْكَوْكَبِ وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ، وَاطِّلَاعِهِ عَلَى أَمَارَاتِ الْحُدُوثِ فِيهَا، وَإِحَاطَتِهِ بِافْتِقَارِهَا إِلَى مُدَبِّرٍ يُخَالِفُهَا فِي الْجِسْمِيَّةِ، وَأَمَارَاتِ الْحُدُوثِ، فَلَمَّا عَرَفَ رَبَّهُ، قَالَ تَعَالَى لَهُ أَسْلِمْ.
وَقِيلَ: كَانَ بعد النبوّة، فتؤول الْأَمْرُ بِالْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ بِالثَّبَاتِ وَالدَّيْمُومَةِ، إِذْ هُوَ مُتَحَلٍّ بِهِ وَقْتَ الْأَمْرِ، وَيَكُونُ الْإِسْلَامُ هُنَا عَلَى بَابِهِ، وَالْمَعْنَى: عَلَى شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ. وَقِيلَ: الْإِسْلَامُ هُنَا غَيْرُ الْمَعْرُوفِ، وَأُوِّلَ عَلَى وُجُوهٍ، فَقَالَ عَطَاءٌ: مَعْنَاهُ سَلِّمْ نَفْسَكَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَابْنُ كَيْسَانَ: أَخْلِصْ دِينَكَ. وَقِيلَ: اخْشَعْ وَاخْضَعْ لِلَّهِ. وَقِيلَ: اعْمَلْ بِالْجَوَارِحِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ صِفَةُ الْقَلْبِ، وَالْإِسْلَامَ هُوَ صِفَةُ الْجَوَارِحِ، فَلَمَّا كَانَ مُؤْمِنًا بِقَلْبِهِ كَلَّفَهُ بَعْدُ عَمَلَ الْجَوَارِحِ، وَفِي قَوْلِهِ: أَسْلَمَ، تَقْدِيرُ مَحْذُوفٍ، أَيْ أَسْلِمْ لِرَبِّكَ. وَأَجَابَ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، فَتُضَمَّنُ أَنَّهُ أَسْلَمَ لِرَبِّهِ، لِأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ، وَفِي الْعُمُومِ مِنَ الْفَخَامَةِ مَا لَا يَكُونُ فِي الْخُصُوصِ، لِذَلِكَ عَدَلَ عَنْ أَنْ يَقُولَ: أَسْلَمْتُ لِرَبِّي، وَمَنْ كَانَ رَبًّا لِلْعَالَمِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُمْ مُسْلِمِينَ لَهُ مُنْقَادِينَ.
وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ ابْتِدَاءً قِصَصَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَذَكَرَ أَوَّلًا ابْتِلَاءَهُ بِالْكَلِمَاتِ، وَإِتْمَامَهُ إِيَّاهُنَّ، وَاسْتِحْقَاقَهُ الْإِمَامَةِ بِذَلِكَ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ فِي زَمَانِهِ، وَسُؤَالَ إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامَةَ لِذُرِّيَّتِهِ شَفَقَةً عَلَيْهِمْ وَمَحَبَّةً مِنْهُ لَهُمْ، وَإِيثَارًا أَنْ يَكُونَ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يَخْلُفُهُ فِي الْإِمَامَةِ، وَإِجَابَةُ اللَّهِ لَهُ بِأَنَّ عَهْدَهُ لَا يَنَالُهُ ظَالِمٌ، وَفِي طَيِّهِ أَنَّ مَنْ كَانَ عَادِلًا قَدْ يَنَالُ ذَلِكَ. وَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ قِصَصِ إِبْرَاهِيمَ بَنِيهِ وَذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ، عَلَى فَضِيلَتِهِ وَخُصُوصِيَّتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، لِيَكُونَ ذَلِكَ حَامِلًا لَهُمْ عَلَى اتِّبَاعِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ لِلشَّخْصِ وَالِدٌ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، أَوْشَكَ وَلَدُهُ أَنْ يَتْبَعَهُ وَأَنْ يَسْلُكَ مَنْهَجَهُ، لِمَا فِي الطَّبْعِ مِنَ اتِّبَاعِ الْآبَاءِ وَالِاقْتِفَاءِ لِآثَارِهِمْ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ [1] ؟.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى شَرَفَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَجَعْلَهُ مَقْصِدًا لِلنَّاسِ يَؤُمُّونَ إِلَيْهِ، وَمَلْجَأً يَأْمَنُونَ فِيهِ، وَأَمْرَهُ تَعَالَى لِلنَّاسِ بِالِاتِّخَاذِ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَحَصَلَ لَهُمُ الِاقْتِدَاءُ بِأَنْ جَعَلَ مَقَامَهُ مَكَانَ عِبَادَةٍ وَمَحَلَّ إِجَابَةٍ. ثُمَّ ذَكَرَ عَهْدَهُ لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بِتَطْهِيرِ الْبَيْتِ، حَيْثُ صار

[1] سورة الزخرف: 43/ 23.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 631
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست