responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 399
وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ: خَصَّ الْمُتَّقِينَ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِالْعِظَةِ وَالتَّذْكِيرِ، قَالَ تَعَالَى: فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [1] ، إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها [2] . وَقِيلَ: أَرَادَ نَكَالًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ: الْمُتَّقُونَ أمة محمد صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ. وَقِيلَ: اللَّفْظُ عَامٌّ فِي كُلِّ مُتَّقٍ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَقِيلَ: الَّذِينَ نُهُوا وَنَجَوْا.
وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مُؤْمِنِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ، وَمُؤْمِنِي غَيْرِهِمْ فِي كَيْنُونَةِ الْأَجْرِ لَهُمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُمْ، وَأَنَّ إِيمَانَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَنْتَجَ لَهُمُ الْأَمْنَ فِي الْآخِرَةِ، فَلَا خَوْفٌ مِمَّا يُسْتَقْبَلُ، وَلَا حُزْنٌ عَلَى مَا فَاتَ إِذْ مَنِ اسْتَقَرَّ لَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ فَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ الْقُصْوَى مِنَ الْكَرَامَةِ. وَقَدْ أَدْخَلَ هَذِهِ الْآيَةَ بَيْنَ قَصَصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْفَوْزَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَطَاعَ. وَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَيْنَ آيَتَيْ عِقَابٍ: إِحْدَاهُمَا تَتَضَمَّنُ ضَرْبَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْأُخْرَى تَتَضَمَّنُ مَا عُوقِبُوا بِهِ مَنْ نَتْقِ الْجَبَلِ فَوْقَهُمْ، وَأَخْذِ الْمِيثَاقِ، ثُمَّ تَوَلِّيهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ. فَأَعْلَمَتْ هذه الآية بحسن عَاقِبَةِ مَنْ آمَنَ، حَتَّى مِنْ هَذَا الْجِنْسِ الَّذِي عُوقِبَ بِهَاتَيْنِ الْعُقُوبَتَيْنِ، تَرْغِيبًا فِي الْإِيمَانِ، وَتَيْسِيرًا لِلدُّخُولِ فِي أَشْرَفِ الْأَدْيَانِ، وَتَبْيِينًا أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَأَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ تَجْلِبُ إِحْسَانَهُ وَفَضْلَهُ.
وَتَضَمَّنَ قَوْلِهِ وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ التَّذْكِيرَ بِالْمِيثَاقِ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَأَنَّهُ رَفَعَ الطُّورَ فَوْقَهُمْ لِأَنْ يَتُوبُوا ويرجوا، وَأَنَّهُمْ مَعَ مُشَاهَدَتِهِمْ هَذَا الْخَارِقَ الْعَظِيمَ تَوَلَّوْا وَأَعْرَضُوا عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ، وَأَنَّهُ لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُمْ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ لَخَسِرُوا. ثُمَّ أَخَذَ يُذَكِّرُهُمْ مَا هُوَ فِي طَيِّ عِلْمِهِمْ مِنْ عُقُوبَةِ الْعَاصِينَ، وَمَآلِ اعْتِدَاءِ الْمُعْتَدِينَ، وَأَنَّهُ بِاسْتِمْرَارِ الْعِصْيَانِ وَالِاعْتِدَاءِ فِي إِبَاحَةِ مَا حَظَرَهُ الرَّحْمَنُ، يُعَاقِبُ بِخُرُوجِ الْعَاصِي مِنْ طَوْرِ الْإِنْسَانِيَّةِ إِلَى طَوْرِ الْقِرْدِيَّةِ، فَبَيْنَا هُوَ يَفْرَحُ بِجَعْلِهِ مِنْ ذَوِي الْأَلْبَابِ، وَيَمْرَحُ مُلْتَذًّا بِدَلَالِ الْخِطَابِ، نُسِخَ اسْمُهُ مِنْ دِيوَانِ الْكَمَالِ، وَنُسِخَ شَكْلُهُ إِلَى أَقْبَحِ مِثَالٍ، هَذَا مع ما أَعَدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ النَّكَالِ، وَالْعُقُوبَاتُ عَلَى الْجَرَائِمِ جَارِيَةٌ عَلَى الْمِقْدَارِ، نَاشِئَةٌ عَنْ إِرَادَةِ الْمَلِكِ الْقَهَّارِ، لَيْسَتْ مِمَّا تُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ، فَيَخُوضُ فِي تَعْيِينِهَا أَلْبَابُ النَّاسِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ تَكُونُ تَنْبِيهًا لِلْغَافِلِ، عظة للعاقل.

[1] سورة الذاريات: 51/ 55.
[2] سورة النازعات: 79/ 45. [.....]
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 399
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست