responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 176
وُعِدُوا بِهَا صَالِحَةً لِأَنْ تَحْرِقَ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ، فَعَبَّرَ عَنْ صَلَاحِيَتِهَا وَاسْتِعْدَادِهَا بِالْأَمْرِ الْمُحَقَّقِ، قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ النَّاسَ وَالْحِجَارَةَ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ جَهَنَّمَ وَتَنْبِيهًا عَلَى شِدَّةِ وَقُودِهَا، لِيَقَعَ ذَلِكَ مِنَ النُّفُوسِ أَعْظَمَ مَوْقِعٍ، وَيَحْصُلُ بِهِ مِنَ التَّخْوِيفِ مَا لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْحَقِيقَةُ.
وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَذَا الذَّاهِبُ مِنْ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ هُوَ بِالصَّلَاحِيَّةِ لَا بِالْفِعْلِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ بِالْفِعْلِ، وَلِذَلِكَ تَكَرَّرَ الْوَصْفُ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ النَّاسِ وَالْحِجَارَةِ، بِدَلِيلِ مَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كَوْنِ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ فِيهَا، وَقَدَّمَ النَّاسَ عَلَى الْحِجَارَةِ لِأَنَّهُمُ الْعُقَلَاءُ الَّذِينَ يُدْرِكُونَ الْآلَامَ وَالْمُعَذَّبُونَ، أَوْ لِكَوْنِهِمْ أَكْثَرَ إِيقَادًا لِلنَّارِ مِنَ الْجَمَادِ لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْجُلُودِ وَاللُّحُومِ وَالشُّحُومِ وَالْعِظَامِ وَالشُّعُورِ، أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ فِي التَّخْوِيفِ. فَإِنَّكَ إِذَا رَأَيْتَ إِنْسَانًا يُحْرَقُ، اقْشَعَرَّ بَدَنُكَ وَطَاشَ لُبُكَّ، بِخِلَافِ الْحَجَرِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُعِدَّتْ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ النَّارَ لَمْ تُخْلَقْ حَتَّى الْآنَ، وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي سَقَطَ فِيهِ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْإِعْدَادَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْمَوْجُودِ، لِأَنَّ الْإِعْدَادَ هُوَ التَّهْيِئَةُ وَالْإِرْصَادُ لِلشَّيْءِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
أَعْدَدْتُ لِلْحَدَثَانِ سَابِغَةً وَعَدَاءً علبدا أَيْ هَيَّأْتُ. قَالُوا: وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لِلْمَوْجُودِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَى الْمَوْجُودِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [1] وَمُنْذِرٌ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ كَانَ يُعْرَفُ بِالْبَلُّوطِيِّ، وَكَانَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ بِالْأَنْدَلُسِ، وَكَانَ مُعْتَزِلِيًّا فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ ظَاهِرِيًّا فِي الْفُرُوعِ، وَلَهُ ذِكْرٌ وَمَنَاقِبُ فِي التَّوَارِيخِ، وَهُوَ أَحَدُ رِجَالَاتِ الْكَمَالِ بِالْأَنْدَلُسِ.
وَسَرَى إِلَيْهِ ذَلِكَ الْقَوْلُ مِنْ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ تُذْكَرُ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَهُوَ:
أَنَّ مذهب أهل السنة أن الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالنَّجَاوَمِيَّةِ إِلَى أَنَّهُمَا لَمْ يُخْلَقَا بَعْدُ، وَأَنَّهُمَا سَيُخْلَقَانِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ اعْتَدَّتْ: مِنَ الْعَتَادِ بِمَعْنَى الْعُدَّةِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ، وَلَا يَدُلُّ إِعْدَادُهَا لِلْكَافِرِينَ عَلَى أَنَّهُمْ مَخْصُوصُونَ بِهَا، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَوِّلِينَ مِنْ أَنَّ نَارَ الْعُصَاةِ غَيْرُ نَارِ الْكُفَّارِ، بَلْ إِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْكَافِرِينَ لِانْتِظَامِ الْمُخَاطَبِينَ فِيهِمْ، إِذْ فِعْلُهُمْ كُفْرٌ. وقد ثبت في

[1] سورة الأحزاب: 33/ 35.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 176
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست