responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : نور الطرف ونور الظرف نویسنده : الحُصري القيرواني    جلد : 1  صفحه : 3
ولم أوغل في هذا الكتاب كما أوغلت في "زهر الآداب وثمر الألباب" من تعليق المعاني بما تعلق بأفنانها، وتشبث بأغصانها، وتسرب في شجونها، وتشرب من عيونها، إذ لو توفرت في التصريف على ما يوجبه التصنيف في تلك التصاريف، لأخللت بالإحسان في الافتنان، فنثرت ما سطرت على غير تبويب، وجمعت ما صنفت على غير ترتيب، وذلك أقرب لنشاطك، وأوجب لانبساطك.
ولعل ما تركت أولى مما أدركت، إذ كان قليلاً من كثير، وثماداً من بحور، ولكن إذا لم يخص المؤلف وجهاً يقصده، ولا فناً يعتمده، فكل الكلام تمتد إليه حباله وتنثال عليه رماله، فإنما حقه انتقاء ما اتصل بناظره، واقتفاء ما وصل إلى خاطره، إذ لا معنى يقتضيه دينه، إلا وغيره يقتضيه عينه.
وقد خفت أن أخرج بصدر الكتاب إلى معيب الإسهاب. والداعي إلى الإطالة وإن صارت إلى الملالة، والاستمتاع في مكتبتك بلذة مخاطبتك التي هي أجمل من وصل المهجور، وأفضل من أمن المذعور، (شعر) :

وأحسنُ موقعاً منّي وعندي ... من البشرى أتتْ بعد النَّعيِّ
وهذا حين أبتدي وبالله أهتدي.
حدثني أبو محمد الحسن بن القاسم قال: حدثنا أبو الخير رواحة بن عبد الله الهاشمي بالري قراءةً عليه، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا يموت بن المزرع عن خاله أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ قال: يحب للرجل أن يكون سخياً لا يبلغ التبذير، حافظاً لا يبلغ البخل، شجاعاًُ لا يبلغ الهوج، محترساً لا يبلغ الجبن، حيياً لا يبلغ العجز، ماضياً لا يبلغ القحة، قوالاً لا يبلغ الهذر، صموتاً لا يبلغ العي، حليماً لا يبلغ الذل، منتصراً لا يبلغ الظلم، وقوراً لا يبلغ البلادة، نافذاً لا يبلغ الطيش.
ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع ذلك في كلمة واحدة، وهي قوله عليه السلام: "خير الأمور أوساطها". فعلمت أنه عليه السلام أوتي جوامع الكلم.، (وعلم) فصل الخطاب.
قلت أنا: وليس بعض كلامه صلى الله عليه وسلم بأولى من بعض بالتقديم، ولا أحق بالإجلال والتعظيم، وإنما بدأت بكلمته تيمناً ببركته.
وأنا أحذف أسانيد ما رويته، وآتي بمتون ما رأيته، إذ هي الغرض المطلوب من استمالة القلوب، بما تحويه من سحر البيان، وسر البرهان.
وقد قال الجاحظ يصف كلام النبي صلى الله عليه وسلم: استعمل التوسط وهجر الغريب ورغب عن الهجين، فلم ينطق إلا عن حكمة، ولم يأت إلا بكلام حف بالعصمة، وسدد بالتأييد، وهو الكلام الذي ألقى الله عز وجل عليه المحبة، وغشاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والجلالة والإفهام، وقلة عدد الحروف، مع قلة حاجة السامع إلى معاودته، فلم تسقط له كلمة، ولا بارت له حجة، ولم يقم له خصم إلا أفحمه. خطيب بذ الناطقين، وحاز قصب السابقين، لم يلتمس إسكات الخصم بنا لا يعرفه الخصم، ولم يحتج إلا بالصدق، ولم يطلب الفلج إلا بالحق، لا يلمز، ولا يهمز ولا يبطئ ولا يعجل، ولا يسهب ولا يحصر، فلا يسمع الناس كلاماً أعم نفعاً، ولا أقصد لفظاً، ولا أعدل وزناً، ولا أجمل مذهباً، ولا أكرم مطلباً، ولا أحسن موقعاً، ولا أسهل مخرجاً، ولا أفصح عن معناه، ولا أبين عن فحواه من كلامه صلى الله عليه وسلم.
كان علي بن محمد بن نصر بن منصور بن بسام هجا علي بن عيسى بن داود بن الجراح الوزير لما نفي إلى مكة، فلما ردت إليه الوزارة، جلس يوماً للمظالم فمرت عليه في جملة القصص رقعة فيها مكتوب:

وافى ابنُ عيسى وكنتُ أضغنُهُ ... أشدُّ شيءٍ عليَّ أهونهُ
ما قدر الله ليسَ يدفعهُ ... وما سواهُ فليس يمكنُهُ
فقال (علي) بن عيسى: صدق ابن بسام، والله لا ناله مني مكروه أبداً.
وكان ابن بسام فصيح اللسان، صحيح البيان، جميل الثناء، خبيث الهجاء، ولم يكن له حظ في التطويل، وإنما تحسن مقطعاته، وتندر أبياته، وهو القائل:

أما ترى اللّيلَ قد ولَّتْ غيابُهُ ... وعارضُ الفجرِ بالإشراقِ قد طلعا
فاشربْ على وردةٍ قدمتْ ... كأنَّها خدُّ ريمٍ فامتنعا
وقال يرثي علي بن يحيى بن (أبي) منصور بن المنجم:

قد زرتُ قبركَ يا عليّ مسلِّماً ... ولك الزِّيارة من أقلِّ الواجبِ
ولو استطعتُ حملت عنكَ ترابهُ ... فلطالما عنّي حملتَ نوائبي
نام کتاب : نور الطرف ونور الظرف نویسنده : الحُصري القيرواني    جلد : 1  صفحه : 3
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست