نام کتاب : حياة الحيوان الكبري نویسنده : الدميري جلد : 1 صفحه : 369
و كان بين شرف الدين بن عنين [1] و الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب دمشق مؤانسة و مصاحبة، و كان يجري بينهما أمور تدل على حسن إدراك الملك المعظم منها أن ابن عنين حصل له توعك فكتب إليه:
انظر إلي بعين مولى لم يزل # يولي الندى و تلاف قبل تلافي [2]
أنا كالذي أحتاج ما يحتاجه # فاغنم ثنائي و الثواب الوافي [3]
فجاء إليه بنفسه و معه ثلاثمائة دينار، فقال: هذه الصلة و أنا العائد، و هذه لو وقعت من أكابر النحاة لاستعظمت منه، فضلا عن ملك. قوله هذه الصلة أنا العائد، لأن الذي اسم موصول يحتاج إلى صلة و عائد فالصلة ما وصله به من المال، و العائد يحتمل معنيين: أحدهما: و أنا العائد لك بالصلة مرة بعد أخرى فطب نفسا، و الآخر من عاد يعود عيادة و هي عيادة المريض.
و كان الملك المعظم فاضلا حازما شجاعا حنفي المذهب و كانت له رغبة في فن الأدب حتى إنه شرط لكل من حفظ مفصل الزمخشري مائة دينار و خلعة. فحفظه خلق كثير لهذا السبب. توفي سنة أربع و عشرين و ستمائة و توفي الإمام فخر الدين الرازي المتقدم ذكره يوم عيد الفطر سنة ست و ستمائة بهراة رحمهما اللّه تعالى.
فائدة:
قال بعض الحكماء: كل إنسان مع شكله كما أن كل طير مع جنسه، و كان مالك بن دينار يقول: لا يتفق اثنان في عشرة إلا و في أحدهما وصف من الآخر، فإن أشكال الناس كأجناس الطير، و لا يتفق نوعان منه في طيران إلا لمناسبة بينهما، فرأى يوما حمامة مع غراب، فعجب من اتفاقهما و ليسا من شكل واحد فلما مشيا إذا هما أعرجان، فقال: من هاهنا اتفقا. و كل إنسان يأنس إلى شكله، كما أن كل طير يأنس إلى جنسه، فإذا اصطحب اثنان برهة من الزمان و ليس بينهما مناسبة ما، فلا بد أن يتفرقا كما قال بعض الشعراء:
و قائل كيف تفرقتما # فقلت قولا فيه إنصاف
لم يك من شكلي ففارقته # و الناس أشكال و ألاف
و سيأتي عنه في الصعوة شيء من هذا. روى أحمد في الزهد عن يزيد بن ميسرة أن المسيح عليه الصلاة و السلام كان يقول لأصحابه: إن استطعتم أن تكونوا بلها في اللّه تعالى مثل الحمام فافعلوا قال: و كان يقال إنه ليس شيء أبله من الحمام و ذلك أنك تأخذ فراخه من تحته فتذبحها، ثم يعود إلى مكانه ذلك فيفرخ فيه.
الحكم:
يحل أكله بالإجماع بجميع أنواعه لأنه من الطيبات، و لأن الشارع أوجب فيه على المحرم، إذا قتله، شاة. و في مستند ذلك وجهان: أحدهما أن ذلك لما بينهما من الشبه، فإن كلا
[1] ابن عنين: أبو المحاسن محمد بن نصر بن الحسين بن عنين، شاعر مجيد هجاء، نفاه السلطان صلاح الدين من دمشق. مات سنة 630 هـ بدمشق.