قوله «ومنه أحصد الزرع» إنما قال «ومنه» لأن أهل التصريف جعلوا مثله قسما آخر ، وذلك
أنهم قالوا : يجىء أفعل بمعنى حان وقت يستحق فيه فاعل أفعل أن يوقع عليه أصل الفعل
، كأحصد : أى حان أن يحصد ، فقال المصنف : هو فى الحقيقة بمعنى صار ذا كذا ، أى :
صار الزرع ذا حصاد ، وذلك
وجهه ، وهذا من
النوادر أن يقال : أفعلت أنا ، وفعلت غيرى ؛ يقال : كب الله عدو المسلمين ، ولا
يقال : أكب» اه. وظاهر قول المؤلف : إن القول بأن أكب مطلوع كب تدريس (أى : تدريب
وتمرين) أنه غير موافق على قصة المطاوعة بدليل أنه جعله من أمثلة الصيرورة ، وقد
سبقه بذلك الزمخشرى رحمهالله
، قال فى تفسير سورة الملك من الكشاف : «يجعل أكب مطاوع كبه ، يقال : كببته فأكب ،
من الغرائب والشواذ ، ونحوه قشعت الريح السحاب فأقشع ؛ وما هو كذلك ، ولا شىء من
بناء أفعل مطاوع ، ولا يتقن نحو هذا إلا حملة كتاب سيبويه ، وإنما أكب من باب أنفض
وألام ، ومعناه : دخل فى الكب وصار ذا كب ، كذلك أقشع السحاب دخل فى القشع ،
ومطاوع كب وقشع انكب وانقشع» اه كلامه بحروفه ، وقد لخص الشهاب الخفاجى هذين
القولين تلخيصا حسنا فى شرحه على تفسير البيضاوى فقال فى بيان مذهب من قال
بالمطاوعة : «هو على عكس المعروف فى اللغة من تعدى الافعال ولزوم ثلاثيه ، ككرم
وأكرمت ، وله نظائر فى أحرف يسيرة : كأنسل ريش الطائر ونسلته ، وأنزفت البئر
ونزفتها ، وأمرت الناقة (درت) ومرتها ، وأشف البعير (رفع رأسه) وشففته ، وأقشع
الغيم وقشعته الريح : أى أزالته وكشفته ، وقد حكى ابن الأعرابى كبه الله وأكبه
بالتعدية فيهما ، على القياس» اه وقال فى بيان رأى من قال بالصيرورة : «وليست
الهمزة فيه للمطاوعة كما ذهب إليه ابن سيده فى المحكم ؛ تبعا لبعض أهل اللغة ،
كالجوهرى ، وتبعه ابن الحاجب وأكثر شراح المفصل ، قال بعض المدققين : معنى كون
الفعل مطاوعا كونه دالا على معنى حصل عن تعلق فعل آخر متعد به ، كقولك باعدته
فتباعد ، فالتباعد معنى حصل من المباعدة ، كما يفهم من كلام شراح المفصل والشافية
، ومباينة المطاوعة للصيرورة غير مسلمة ، وفى شرح الكشاف للشريف : الائتمار : معنى
صيرورته مأمورا ، وهو مطاوع الأمر ؛ فسوى بين المطاوعة والصيرورة» اه