ففطن الأصمعيّ
لخطئه ، وكان أحدث سنًّا منه فقال : إنما هو «تولبا جذَعا» وأراد تقريره على الخطأ
، فلم يفطن المفضل لمراده فقال : كذلك أنشدتهُ ، فقال له الأصمعي حينئذٍ : أخطأتَ
، إنما هو «تولباً جدِعاً»! فقال المفضل : جذَعا جذعا! ورفع صوته فقال له
الأصمعيُّ : لو نفختَ في الشبُّور ما نفعك! تكلم كلامَ النملِ وأصبْ ، إنما هو «جدِعا».
فقال سليمانُ الهاشمي : اختارا من نجعله بينكما. فاتّفقا على غلامٍ من بني أسدٍ
حافظٍ للشعر ، فبعثَ سليمانُ إليه من أحضره ، فعرضا عليه ما اختلفا فيه فصدَّق
الأصمعيَّ وصوَّب قوله ، فقال له المفضل : وما الجَدِع؟ قال : السيء الغِذاء.
قلت : وهذا هو
في كلام العرب ، يقال : أجدعتْه أمه ، إذا أساءت غذاءه.
الطبقة الثانية
ومن الطبقة
الذين خلفوا هؤلاء الذين قدَّمنا ذكرَهم وأخذوا عن هؤلاء الذين تقدَّموهم خاصة وعن
العرب عامَّة ، وعُرفوا بالصِّدق في الرواية ، والمعرفة الثاقبة ، وحفظ الشعر
وأيام العرب :
أبو زيدٍ سعيد
بن أوس الأنصاري ؛ وأبو عمرو إسحاق بن مراد الشيباني مولى لهم ، وأبو عبيدة معمر
بن المثنَّى التيمي من تيم قريشٍ مولى لهم ؛ وأبو سعيد عبد الملك بن قُريب
الأصمعيّ ؛ وأبو محمد يحيى بن المبارك اليزيديّ ، وإنما سمي اليزيدي لأنه كان يؤدب
ولد يزيد بن منصور الحميريّ خال المهدي ، ولا يقدَّم عليه أحدٌ من أصحاب أبي عمرو
بن العلاء في الضبط لمذاهبه في قراءات القرآن.
ومن هذه الطبقة
من الكوفيين : أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي : وعنه أخذ أبو زكريا يحيى بن زياد
الفرَّاء النحو والقراءاتِ والغريبَ والمعاني ، فتقدَّم جميع تلامدته الذين أخذوا
عنه ، إلّا عليّ بن المبارك الأحمر ، فإنه كان مقدَّماً على الفرَّاء في حياة
الكسائي لجودة قريحته وتقدّمه في علل النحو ومقاييسه. وأسرع إليه الموتُ فيما ذكر
أبو محمد سلمة بن عاصم ، وبقيَ الفرَّاء بعده بقاءً طويلاً فبرَّز على جميع من كان
في عصره.