اعلم [٢] أن الصوت عرض [٣] يخرج مع النّفس مستطيلا متصلا ، حتى يعرض له في الحلق
والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته ، فيسمّى المقطع أينما عرض له [٤] حرفا ، وتختلف أجراس الحروف بحسب اختلاف مقاطعها ، وإذا
تفطّنت [٥] لذلك وجدته على ما ذكرته لك ؛ ألا ترى أنك تبتدئ الصوت
من أقصى حلقك ، ثم تبلغ به أيّ المقاطع شئت ، فتجد له جرسا ما ، فإن انتقلت عنه
راجعا منه ، أو متجاوزا له ، ثم قطعت ، أحسست عند ذلك صدى [٦] غير الصّدى الأول ، وذلك نحو الكاف ، فإنك إذا قطعت بها
سمعت هنا صدى ما ، فإن رجعت إلى القاف سمعت غيره ، وإن جزت [٧] إلى الجيم سمعت غير ذينك الأوّلين.
وسبيلك إذا
أردت اعتبار صدى الحرف ، أن تأتي به ساكنا لا متحركا ، لأن الحركة تقلق [٨] الحرف عن موضعه ، ومستقره ، وتجتذبه إلى جهة الحرف التي
هي
[٣]عرض : يظهر ويبرز
، لسان العرب (٤ / ٢٨٨٦). مادة (ع. ر. ض).
[٤] له : الضمير في «له»
راجع إلى الصوت ، وفي عرض : راجع إلى المقطع. وعلى
هذا يكون المؤلف قد سمى المقطع هنا حرفا ، والمعروف أن المقطع هو مخرج الحرف ، لا
الحرف ، وبالتالي فكلامه لا يستقيم إلا على ضرب من المجاز من باب تسمية المحل باسم
الحال ، كقولك : انصرف الديوان ، والمراد هنا من فيه ، مع ملاحظة أن التجوز غير
مستساغ في التعريف لأنه ينافي شروطه.
[٥] تفطنت : أي صرت
ذا فطنة ، وفطن للأمر أي تنبه إليه فهو فاطن ، وفطن ، وفطين. لسان
العرب (٥ / ٣٤٣٧). مادة (ف. ط. ن).
[٦]صدى : رجع الصوت
يرده الجبل ونحوه ، (ج) أصداء. لسان العرب (٤ / ٢٤٢١).
[٧]جزت : جاز الطريق
ونحوه أي تعداه وخلفه وراءه. لسان العرب (١ / ٧٢٤).
[٨] تقلق : تصوير
بليغ حيث يشبه الحركة بأنها مصدر لإزعاج الحرف بحيث تدفعه وتحركه عن موضعه.