نام کتاب : أسرار العربيّة نویسنده : ابن الأنباري جلد : 1 صفحه : 123
[علّة وجوب تقديم منصوب الأحرف المشبّهة على مرفوعها]
فإن قيل : فلم
وجب تقديم المنصوب على المرفوع؟ قيل لوجهين :
أحدهما : أنّ
هذه الحروف ، تشبه الفعل لفظا ومعنى ؛ فلو قدّم المرفوع على المنصوب ، لم يعلم هل
هي حروف ، أو أفعال؟
فإن قيل :
الأفعال تتصرّف ، والحروف لا تتصرّف ، قيل : عدم التّصرّف ، لا يدلّ على أنّها
حروف ؛ لأنّه قد يوجد أفعال لا تتصرّف ؛ وهي : نعم ، وبئس ، وعسى ، وليس ، وفعل
التّعجّب ، وحبّذا ، فلمّا كان ذلك يؤدّي إلى الالتباس بالأفعال ، وجب تقديم
المنصوب على المرفوع رفعا لهذا الالتباس.
والوجه الثّاني
: أنّ هذه الحروف لمّا أشبهت الفعل الحقيقيّ لفظا ومعنى ، حملت عليه في العمل ،
فكانت فرعا عليه في العمل ، وتقديم [١] المنصوب على المرفوع فرع ؛ فألزموا الفرع الفرع ،
وتخرّج على هذا «ما» فإنّها ما أشبهت الفعل من جهة اللّفظ ، وإنّما أشبهته من جهة
المعنى ، ثمّ الفعل الذي أشبهته ليس فعلا حقيقيّا ، وفي فعليّته خلاف ، بخلاف هذه
الحروف ، فإنّها أشبهت الفعل الحقيقيّ من جهة اللّفظ والمعنى من الخمسة الأوجه
التي بيّنّاها ، فبان الفرق بينهما. وقد ذهب الكوفيّون إلى أنّ «إنّ» وأخواتها /
إنّما / [٢] تنصب الاسم ، ولا ترفع الخبر وإنّما الخبر يرتفع بما
كان يرتفع به قبل دخولها ؛ لأنّها فرع على الفعل في العمل ، فلا تعمل عمله ؛ لأنّ
الفرع ـ أبدا ـ أضعف من الأصل ، فينبغي ألّا تعمل في الخبر ؛ وهذا ليس بصحيح ؛
لأنّ كونه فرعا على الفعل في العمل ، لا يوجب ألّا يعمل عمله ، فإنّ اسم الفاعل
فرع على الفعل في العمل ، ويعمل عمله ، على أنّا قد عملنا بمقتضى كونه فرعا ،
فإنّا ألزمناه طريقة واحدة ، وأوجبنا فيه تقديم المنصوب على المرفوع ، ولم نجوّز
فيه الوجهين ، كما جاز ذلك مع الفعل ؛ لئلّا [٣] يجري مجرى الأصل ، فلمّا أوجبنا فيه تقديم المنصوب على
المرفوع ، بان ضعف هذه الحروف (عن رتبة الفعل) [٤] ، وانحطاطها عن رتبة الفعل ؛ فوقع الفرق بين الفرع
والأصل ؛ ثمّ لو كان الأمر كما زعموا ، وأنّه باق على رفعه ؛ لكان الاسم المبتدأ
أولى بذلك ، فلمّا وجب نصب المبتدأ بها ؛ وجب رفع