القعود، فإن الغربة تخرّج الغمر، و تشجّع الجبان، و تحرّك المضطجع، و تزيد في بصيرة الماهر.
و قال:
الفقر في أوطاننا غربة* * * و المال في الغربة أوطان
و قال آخر: لا يألّف الوطن إلّا ضيّق العطن.
و قال آخر: ما حنّ أحد إلى بلد جمع فيه شمله إلّا لوصمة في عقله، و لا تنزع بامرء نفسه إلى بلد قلّ به رفده إلّا لاستيلاء الموق عليه.
و قالوا: الحنين إلى الأوطان من أخلاق الصبيان و في طول الاغتراب فوز الاكتساب، و في فائدة صالح الإخوان مع النزوح عن الأوطان سلوّ عن مقارنة الجيران، و لولا اغتراب الناس عن محالّهم ضاقت بهم البلدان و سئم ألّافهم الإخوان، و من طالب أخاه بمحلّه قلّت هيبته و سئمه أهله و تمنّوا الراحة منه. قال:
و لولا اغتراب المغتربين ما عرف ما بين الأندلس إلى الصين، و لا ردم الإسكندر السدود، و دوّخ الأقاليم، و مدّن المدن، و بخع له ملوكها بالطاعة، و لا قتل دارا بن دارا، و لا أسر الأساورة، و لا جمعت الملوك بين الصفائح اليمانية، و القضب الهنديّة، و الرماح البلوصيّة، و الأسنّة الخزريّة، و الأعمدة الهرويّة، و الأجرزنة [1] الأسروشنيّة، و الخناجر الصّغديّة، و السروج الصينيّة، و الدروع السابريّة و الجواشن الفارسيّة، و القسيّ الشاشيّة، و الأوتار التركيّة، و السهام الناوكيّة، و الجعاب السجزيّة، و الدرق المغربيّة، و الأترسة التبّتيّة، و الجلود الزّنجيّة، و النمور البربريّة، و اللجم الخانبديّة و الركب المروزيّة، و الستور الصينيّة، و الخيل الخزريّة، و الكراسيّ القمّيّة، و الشهاريّ البخاريّة و البغال الأرمنيّة، و الحمير المريسيّة، و الكلاب السلوقيّة، و البزاة الروميّة، و الصوالجة النهاونديّة، و الثياب المنيّرة
[1] لعلها (الاجرزة) قال ابن منظور: الجرز من السلاح و الجمع الجرزة و الجرز و الجرز: العمود من الحديد، معروف، عربي. و قال في برهان قاطع (كرز) عمود حديد، و تقال للهراوة المصنوعة من الخشب.