responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مسامرات الظريف بحسن التعريف نویسنده : السنوسي، محمد    جلد : 1  صفحه : 207
عرضت لي في مدة تصرفه نوازل مع خاصة الدولة فقام فيها لله وأيده الله، والحاصل أنه قضى خمس سنين لم يذكر فيها بسوء وعد بذلك من صالح سلف القضاة. ثم إنه طلب الإقالة وتشدد في طلب الخروج واعتذر بأعذار كثيرة وكتب في شأن ذلك للأمير وبعد مراجعات لم تطب نفسه إلا بالخروج على كره من الأمير فقدمه مفتياً رابعاً رابع جمادى الأولى سنة 1290 تسعين ومائتين وألف، وظهر عليه من السرور والفرح بسلامة خروجه من القضاء ما يشهد لفضله وعند ذلك عاد إلى دروسه بجامع الزيتونة ولازم التدريس على طريقته الأولى مع الاقتصار على الفتوى وملازمة تدريس صحيح البخاري الذي لم يترك قط روايته أو درايته حتى كاد مستحضراً لجميع أحاديثه استحضاراً لم يشاركه فيه أحد كاد به أن يكون حافظه وكان عالماً عاملاً عالي الهمة محباً لأعلى الأمور عفيفاً ديناً لم يترك غرماءه المصالحة معهم فيما قدر عليه من المال بل كان يرسل إلى كل واحد منهم ما يحضره إلى أن قضى أصل دينه ديانة منه ولم يسمح بمعاوضات الأوقاف إلا بعد التحري. وكان حسن الأخلاق جميل المعاملة حبيباً صلباً في الحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، نظيف العرض، ينظم الشعر كثيراً محافظاً على مروءته، وكان حسن القامة جميل الصورة خصب البدن غلب عليه الدم فظهرت على عاتقه طالعة لازمته إلى أن أدركته المنية فتوفي قبل الزوال بساعتين وثلث من صبيحة يوم السبت ثاني عشر ذي القعدة الحرام سنة 1293 ثلاث وتسعين ومائتين وألف عليه رحمة الله، وقد رثيته بقولي: [الكامل]
قد راعَ ركن الدين رجفُ رعودِ ... بأجلِّ خطب فادح موعودِ
فارتجّتِ الدنيا لهولة رجفه ... وتسربلت ثوبِ اللِّيالي السود
فكأنما الأعلامُ من أحلامنا ... دكَّتْ بصعقةِ رجفهِ المشهود
فالناس في لهف ومحض تأسّف ... بجريح قلب مدنف مجهود
والكل صار منوهاً بتأوه ... يذكي أجيج قلوبهم بوقود
وعيونهم تهمي بساكب ديمة ... لولا الدما دعت الظماء لورود
فالرأي غيض وكل قلب مرمض ... والعين فائضة بغير حدود
وكبود أهل الحزم رضّت وارتضت ... بيع الحياة بغير ما منقود
هيهات أن يبقى بهم من مترع ... للصبر أو من مهيع محمود
فالصبر تجتثُّ الرزايا أصله ... وتحيله جزعاً ممرّ أبود
وإذا المصيبة عمت الألبابَ لم ... يبق الذي يسليهم بردود
وهناك تضطرب الأمور وتلتقي ... كل الورى في حيرة وصدود
كلُّ معزّي لا معزّي بينهم ... يتناوبون نوائب المفقود
ركنِ الشريعة وابنه وابن ابنه ... فخر العلوم (محمد البارودي)
العالمِ العلمِ الذي عمّ الورى ... نفعاً وقلَّدهمْ أعز عقود
بحرٍ ولكن فيه وردٌ سائغ ... عذبٌ يجود بلؤلؤ منضود
فالناس طرّاً يوفضون لدرسه ... كحمائم حامت على المورود
فهو الإمام وخير من قد أمنا ... في كل فضل ليس بالمحجود
من أمه يلق العلوم تجسَّدتْ ... وغدت تضم له بخير جلود
من أمه يلق التقى في جثة ... ملتفة منه بفضل برود
من أمّه يلق البلاغة ركبت ... في صوغه السامي أعز نقود
من أمّه يلق الرياض تزخرفت ... بحديث خير الخلق دون جحود
ذا معدن الترتيل والتأويل في ... تنزيل آي الواحد المعبود
داركة المعقول والمنقول ذو ... رأي سديد بالذكاء وقود
(كشاف) (أسرار) حبرها ... (مفتاح) قفل المشكل المعقود
(مغني اللبيب) و (قطب) دائرة (الطوا ... لع) فهو سعدُ الطالع المسعود
(جمع الجوامع) صدره الرحب الذي ... ما ضاق يوماً من فعال حسود
مع أنه (التوضيح) طوع لسانه ... ببيانه المنثور والمنضود
قد كان (صدراً للشريعة) حاملاً ... في مذهب (النعمان) خير بنود
قد كان بحراً زاخراً بمعارف ... وعوارفٍ تجري بغير جمود
قد كان كنزاً لا يسام على المدى ... بالنفس كلا لا ولا بنقود
قد كان طوداً لا ينهنهه الخنا ... يأوي المصاب بظله الممدود
قد كان ذا روع وفقه محكم ... في الدين لا يرضى سوى المحدود
فقضى وأفتى مدة ما سيم في ... أثنائها بسوى ثنا محمود

نام کتاب : مسامرات الظريف بحسن التعريف نویسنده : السنوسي، محمد    جلد : 1  صفحه : 207
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست