responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الطبقات السنيه في تراجم الحنفيه نویسنده : الغزي، تقي الدين    جلد : 1  صفحه : 251
ثم أنه خرج نحو أصبهان متنكراً، وأنا وأخوه وغلامان له في زي الصوفية، إلى أن وصلنا إلى طبران، وهي على باب أصبهان، وقاسينا شدائد، فاستقبلنا أصدقاء الشيخ وندماء الأمير علاء الدولة وخواصه وحملوا إليه الثياب والمراكب، وبالغ علاء الدولة في إكرامه وصار من خاصته.
وقد خدمت الشيخ وصحبته خمساً وعشرين سنة وجرت مناظرة، فقال له بعض اللغويين: إنك لا تعرف اللغة. فأنف الشيخ، وتوفر على درس اللغة ثلاث سنين، فبلغ طبقة عظيمة من اللغة وصنف بعد ذلك كتاب " لسان العرب "، ولم يبيضه.

قال: وكان الشيخ قوي القوى، وكان قوة المجامعة من قوات الشهوانية أقوى وأغلب، وكان كثيراً ما يشتغل، فأثر في مزاجه، وكان يعتمد على قوة مزاجه حتى صار أمره إلى أن أخذه القولنج وحرص على برئه حتى حقن نفسه في يوم ثمان مرات، فتقرح بعض أمعائه، وظهر به سحج، وسار مع علاء الدولة، فأسرعوا نحو إذج، فظهر به هناك الصرع الذي قد يتبع علة القولنج، ومع ذلك كان يدبر نفسه ويحقن نفسه لأجل السحج، فأمر يوماً باتخاذ دانقين من بزر الكرفس، في جملة ما يحتقن به، طلباً لكسر الرياح، وقصد بعض الأطباء الذي كان هو يتقدم إليه بمعالجته، فطرح من بزر الكرفس خمسة دراهم، لست أدري أعمد فعله أم خطأ، لأني لم أكن معه، فازداد السحج به من حدة البزر وكان يتناول المنزود يطوس؛ لأجل الصرع، فقام بعض غلمانه وطرح فيه شيءً كثيراً من الأفيون فناوله فأكله وكان سبب ذلك خيانتهم في مال كثير من خزانته، فتمنوا هلاكه ليأمنوا، فنقل الشيخ إلى أصبهان وبقي يدبر نفسه، واشتد ضعفه ثم عالج نفسه حتى قدر على المشي لكنه مع ذلك يكثر المجامعة فكان ينتكس.
ثم قصد علاء الدولة همذان، فسار الشيخ معه، فعاودته تلك العلة في الطريق، إلى أن وصل همذان، وعلم أنه قد سقطت قوته، وإنها لا تفي بدفع المرض، فأهمل مداواة نفسه، وأخذ يقول: المدبر الذي كان يدبر قد عجز عن التدبير، والآن فلا تنفع المعالجة. وبقى على هذا أياماً، ومات عن ثلاث وخمسين سنة. انتهى قول أبي عبيد.
وقبره تحت سور همذان. وقيل: إنه نقل إلى أصبهان بعد ذلك.
وقال ابن خلكان، في ترجمة ابن سينا: ثم اغتسل وتاب، وتصدق بما معه على الفقراء، ورد المظالم على من عرفه، وأعتق مماليكه، وجعل يختم كل ثلاثة أيام ختمة، ثم مات بهمذان، يوم الجمعة، في رمضان، وولد في صفر، سنة سبعين وثلاثمائة.
قال: وكان الشيخ كمال الدين ابن يونس يقول: إن مخدومه سخط عليه، ومات في سجنه، وكان ينشد:
رأيتُ ابنَ سِينَا يُعادِي الرِّجالَ ... وفي السِّجْنِ مات أخّسَّ الْمَماتِ
فلم يَشْفِ مانَاتَهُ " بالشَّفا " ... ولم يَنْجُ مِن مَوْتهِ " بالنَّجَاةِ "

وصية ابن سينا
لأبي سعيد بن أبي الخير الصوفي الميهي
ليكن الله تعالى أول فكر له وآخره، وباطن كل اعتبار وظاهره، ولتكن عين نفسه مكحولة بالنظر إليه، وقدمها موقوفة على المثول بين يديه، مسافر بعقله في الملكوت الأعلى، وما فيه من آيات ربه الكبرى، وإذا انحط إلى قراره، فلينزه الله في آثاره، فإنه باطن ظاهر، تجلى لكل شيء بكل شيء.
ففِي كُلِّ شيءٍ له آيَةٌ ... تَدُلُ علَى أنَّه وَاحِدُ
فإذا صارت هذه الحال له ملكه انطبع فيها نقش الملكوت، وتجلى له قدس اللاهوت، فألف الأنس الأعلى، وذاق اللذة القصوى، وأخذ عن نفسه من هو بها أولى، وفاضت عليه السكينة، وحقت له الطمأنينة، وتطلع على العالم الأدنى اطلاع راحم لأهله، مستوهن لحبله، مستخف لثقله، مستخس به لعلقه، مستضل لطرفه، وتذكر نفسه وهي بها لهجة، وببهجتها بهجة، فتعجب منها ومنهم تعجبهم منه وقد ودعها، وكان معها كأن ليس معها.
وليعلم أن أفضل الحكات الصلاة، وأمثل السكنات الصيام، وانفع البر الصدقة، وأزكى السر الاحتمال، وأبطل السعي المراءاة، وأن تخلص النفس عن الدرن ما التفتت إلى قيل وقال، ومنافسة وجدال، وانفعلت بحال من الأحوال، وخير العلمل ما صدر عن خالص نية، وخير النية ما ينفرج عن جناب علم، والحكمة أم الفضائل، ومعرفة الله أول الأوائل، (إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) .

نام کتاب : الطبقات السنيه في تراجم الحنفيه نویسنده : الغزي، تقي الدين    جلد : 1  صفحه : 251
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست