أن إدريس بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن أفلت من وقعة فخ [1] و معه مولى يقال له راشد فخرج به في جملة حاج مصر و إفريقية. و كان إدريس يخدمه و يأتمر له حتى أقدمه مصر [2] فنزلها ليلا فجلس على باب رجل من موالي بني العباس فسمع كلامهما و عرف الحجازية فيهما. فقال: أظنكما عربيين [3] . قالا: نعم. قال:
و حجازيين. قالا: نعم. فقال له راشد: أريد أن ألقى إليك أمرنا على أن تعاهد اللّه أنك تعطينا خلة من خلتين: إما أن تؤوينا و تؤمننا، و إما سترت علينا أمرنا حتى نخرج من هذا البلد.
قال: افعل: فعرفه نفسه و إدريس بن عبد اللّه، فآواهما و سترهما. و تهيأت قافلة إلى إفريقية فأخرج معها راشدا إلى الطريق و قال له: إن على الطريق مسالح و معهم أصحاب أخبار تفتش كل من يجوز الطريق، و أخشى أن يعرف، فأنا أمضي به معي على غير الطريق حتى أخرجه عليك بعد مسيرة أيام، و هناك تنقطع المسالح. ففعل ذلك و خرج به عليه فلما قرب من إفريقية ترك القافلة و مضى مع راشد حتى دخل بلد البربر في مواضع منه يقال لها فاس و طنجة، فأقام بها و استجابت له البربر.
و بلغ الرشيد خبره فغمه، فقال النوفلي خاصة في حديثه و خالفه علي بن إبراهيم و غيره فيه، فشكا ذلك إلى يحيى بن خالد، فقال: أنا أكفيك أمره. و دعا سليمان بن جرير الجزري [4] ، و كان من متكلمي الزيدية البترية [5] و من أولى الرياسة فيهم، فأرغبه و وعده عن الخليفة بكل ما أحب على أن يحتال لإدريس حتى يقتله، و دفع إليه غانية مسمومة، فحمل ذلك و انصرف من عنده، فأخذ معه صاحبا له، و خرج يتغلغل في البلدان حتى وصل إلى إدريس بن عبد اللّه فمتّ إليه بمذهبه و قال: إن السلطان طلبني لما يعلمه من مذهبي، فجئتك. فأنس به و اجتباه. و كان ذا لسان و عارضة، و كان يجلس في مجلس البربر فيحتج للزيدية و يدعو إلى أهل البيت كما كان
[1] راجع الدر النفيس في مناقب إدريس ص 100 و جذوة الاقتباس لابن القاضي ص 7.
[2] في الطبري 10/29 «أفلت إدريس من وقعة فخ في خلافة الهادي فوقع إلى مصر، و على بريد مصر واضح مولى لصالح ابن أمير المؤمنين المنصور، و كان رافضيا، فحمله على البريد إلى أرض المغرب... » .