شاهت الوجوه، ثلاثا، عصي اللّه في كل شيء، و انتهكت الحرم، و سفكت الدماء، و استؤثر بالفيء، فلم يجتمع منكم اثنان فيقولان: هل نغيّر هذا و هلّم بنا ندع اللّه أن يكشف هذا، حتى إذا غلت أسعاركم في الدينار بكيلجة [1] جئتم على الصّعب و الذّلول من كل فجّ عميق تصيحون إلى اللّه أن يرخص أسعاركم، لا أرخص اللّه أسعاركم، و فعل بكم و فعل.
قال:
و صليت يوما إلى جنب بشير الرحّال، و كان شيخا عظيم الرأس و اللحية، ملقيا رأسه بين كتفيه، فمكث طويلا ساكتا، ثم رفع رأسه فقال:
عليك أيها المنبر لعنة اللّه و على من حولك، فو اللّه لولاهم ما نفذت للّه معصية، و أقسم باللّه لو يطيعني هؤلاء الأبناء حولي لأقمت كلّ امرئ منهم على حقّه و صدقه، قائلا للحق أو تاركا له، و أقسم باللّه لئن بقيت لأجهدن في ذلك جهدي أو يريحني اللّه من هذه الوجوه المشوّهة المستنكرة في الإسلام.
قال: فو اللّه لخفنا ألاّ نتفرق حتى توضع في أعناقنا الحبال.
قال:
و كان السائل يقف على بشير يسأله فيقول له: يا هذا إن لك حقّا عند رجل ها هنا، و إن أعانني عليه هؤلاء أخذت لك حقك فأغناك، فيقول السائل: فأنا أكلمهم، فيأتي الخلق في المسجد الجامع فيقول: يا هؤلاء، إنّ هذا الشيخ زعم أن لي حقّا عند رجل، و إنكم إن أعنتموه أخذ لي حقي، فأنشدكم اللّه إلاّ أعنتموه. فيقولون له: ذلك شيخ يعبث.
قال: و كان بشير يقول يعرّض بأبي جعفر:
أيها القائل بالأمس: إن ولّينا عدلنا، و فعلنا و صنعنا، فقد وليت فأيّ عدل أظهرت؟و أيّ جور أزلت؟ [2] و أي مظلوم أنصفت؟آه. ما أشبه الليلة