قلت : ما أفاده(قدس سره) في خصوص إرجاع التعليلية إلى التقييدية متين جدّاً ; ضرورة أنّ العقل لايحكم إلاّ على العناوين العارضة لذوات الأشياء لا على الموضوع المجرّد من عنوانه ، وإلاّ لزم أن يحكم لدى التجرّد منه ، ولاتكون تلك الجهات منشأ لإسراء الحكم إلى غيرها بعد كونها هي المطلوبة بالذات لا بالعرض .
وبذلك يظهر الخلل فيما ربّما يصار تارة إلى إنكار هذا الإرجاع من أنّ لحكم العقل موضوعاً وعلّة ، ولامعنى لإرجاع العلّة إلى الموضوع ; بحيث تصير موضوعاً للحكم ، واُخرى إلى أنّ القاعدة المزبورة ـ على تقدير تسليمها ـ مختصّة بما يدركه العقل من الأحكام ، ولاتكاد تجري فيما يكون ثابتاً من الشارع باستكشاف العقل[ 2 ] ، انتهى .
وفيه : أنّ إنكار الإرجاع المزبور يستلزم إسراء حكم العقل من موضوعه إلى غيره بلا ملاك ; فإنّ الظلم ـ مثلا ـ إذا كان قبيحاً عقلا فوقع عمل في الخارج معنوناً بعنوان الظلم وبعناوين اُخر وحكم العقل بقبحه ، وفرضنا أ نّه لم يرجع إلى حيثية الظلم ; فإمّا أن يرجع إلى حيثيات اُخر وهو كما ترى ، أو إلى الذات بعلّية الظلم ; بحيث تكون الذات قبيحة ، لا الظلم ـ وإن كان هو علّة لقبحها ـ وهو أيضاً فاسد ، بل يستلزم الخلف ; فإنّ الذات تكون قبيحة بالعرض ، فلا محيص إلاّ أن يكون الظلم قبيحاً بالذات ، فيصير الظلم موضوعاً بالحقيقة للقبح ، وهذا معنى رجوع الحيثيات التعليلية إلى التقييدية .