سلك في ربقة الإطاعة ، بل هي باعث إيقاعي اعتباري ، والباعث بالذات هو الملكات النفسانية والصفات الفاضلة ، كعرفان مقام المولى ولياقته وأهليته للعبادة ـ كما في عبادة الأولياء ـ وكحبّه لمولاه أو لخوفه من ناره وسلاسله وطمعه في رضوانه وجنانه وغيرها ممّا تصير داعية للفاعل ، وإنّما الأمر محقّق لموضوع الإطاعة وموضح للمراد .
الرابع : أنّ كلّ ذي مبدأ يكشف عن تحقّق مبادئها المسانخة له ; فالفعل الاضطراري يكشف بوجوده الخارجي عند العقل عن تحقّق مبادئ الاضطرار ، كما أنّ الفعل الاختياري له كاشفية عن تحقّق مبادئه ، وليس هذا إلاّ دلالة عقلية محضة ، ككاشفية المعلول عن علّته بوجه .
فإذن : الأمر والبعث بآلة الهيئة بما هو فعل اختياري كاشف عن الإرادة المتعلّقة به ، كما أ نّه بما هو بعث نحو المبعوث إليه كاشف عن مطلوبيته ، كلّ ذلك ليست دلالة لفظية وضعية ، بل عقلية محضة .
منشأ ظهور الصيغة في الوجوب
إذا عرفت ما مهّدناه فاعلم : أ نّه قد وقع الخلاف في أنّ هيئة الأمر هل تدلّ على الوجوب أولا ؟ وعلى الأوّل هل الدلالة لأجل الوضع أو بسبب الانصراف ، أو لكونه مقتضى مقدّمات الحكمة ؟ فيه وجوه ، بل أقوال .
وهناك احتمال آخر ـ وإن شئت فاجعله رابع الأقوال ـ وهو أ نّها كاشفة عن الإرادة الحتمية الوجوبية ; كشفاً عقلائياً ، ككاشفية الأمارات العقلائية .
ويمكن أن يقال : إنّها وإن لم تكن كاشفة عن الإرادة الحتمية إلاّ أ نّها حجّة بحكم العقل والعقلاء على الوجوب ; حتّى يظهر خلافه ، وهذا خامس الوجوه .