ان الاعمال الحسنة و الافعال القبيحة فى الدنيا
تعطى استعدادا للنفس حقيقة به يقتدر على انشاء صور غيبية بهية من الحور و القصور و
كذا فى جانب الاعمال السيئة , ( بل مثل الاعمال , الاخلاق و العقايد و الهوا حبس و
الصفات النفسانية ) فان لها لوازم لا تنفك عنها و توجب اقتدارا للنفس على ايجاد
لوازمها و آثارها على ما فصل فى كتبهم (( و بالجملة )) فالجزاء هو التمثل الملكوتى
عملا و خلقا و اعتقادا و هذا الوجه يطلب من محاله .
و ذهب جماعة اخرى : آخذا بظواهر الايات و
الاخبار بانهما من المجعولات كالجزئيات العرفية فى الحكومات السياسية كما هو ظاهر
قوله تعالىمن جاء بالحسنة فله عشر
امثالها و من جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلهاالى غير ذلك , و هو المرضى عند المحقق النهاوندى على ما حكى عنه
مستدلا بانه لولاه لزم التشفى المحال فى حقه تعالى , و ذهب طائفة الى ان الثواب و
العقاب بالاستحقاق و ان العبد يستحق من عند ربه جزاء العمل اذا اطاء او عصى , و لا
يجوز له تعالى التخلف عنه عقلا فى الطاعة و اما جزاء السيئة فيجوز عنه العفو .
ثم ان ترتب الثواب و العقاب على المسلك
الاول امر مستور لنا , اذ لا نعلم ان النفس بالطاعات و المقربات تستعد لانشاء
الصور الغيبية و ايجادها , و على فرض العلم بصحته اجمالا فالعلم بخصوصياتها و
تناسب الافعال و صورها الغيبية مما لا يمكن لامثالنا نعم لا شبهة ان للاتيان
بالاعمال الصالحة لاجل الله تعالى تأثيرا فى صفاء النفس و تحكيما لملكة الانقياد و
الطاعة و لها بحسب مراتب النيات و خلوصها تأثيرات فى العوالم الغيبية , و كذا
الحال فى اتيان مقدماتها و تهيئة مباديها بل كل من المقدمة و ذيها اذا اتاهما
لاجله تعالى , يوجب صفاء النفس و تثبيت ملكة الطاعة هذا هو الحال على القول الاول .
و اما على الثانى : من المسلك فلا شك ان
التخلف بعد الجعل قبيح لاستلزامه الكذب لو اخبر عنه مع علمه بالتخلف كما فى المقام
, او لاستلزامه التخلف عن الوعد و العهد لو انشاءه , و امتناعهما عليه تعالى واضح
جدا فحينئذ ترتب الثواب و