وكيف يمكن أن يقال : إنّ وجود الحرارة مثلاً عقيب وجود النار في أوّل سلسلتهما الطولية مستند إلى مبدأ السنخية والمناسبة وخاضع له ، وأمّا بعده فهو من جهة جريان عادة الله تعالى بذلك ، لا من جهة خضوعه لذلك المبدأ.
فالنتيجة أنّ مردّ هذه المقالة إلى إنكار واقع مبدأ العلّية وهو لا يمكن.
وأمّا الثانية : وهي الأفعال الاختيارية ، فقد تقدّم أنّها تصدر بالاختيار وإعمال القدرة ، فمتى شاء الفاعل إيجادها أوجدها في الخارج ، وليس الفاعل بمنزلة الآلة كما سيأتي بيانه [١] بصورة مفصّلة.
على أنّه كيف يمكن أن تثبت العادة في أوّل فعل صادر عن العبد ، فإذن ما هو المؤثر في وجوده ، فلا مناص من أن يقول إنّ المؤثر فيه هو إعمال القدرة والسلطنة ، ومن الطبيعي أنّه لا فرق بينه وبين غيره من هذه الناحية.
فالنتيجة : أنّ ما نسب إلى أبي الحسن الأشعري لا يرجع إلى معنىً محصّل أصلاً ، هذا تمام الكلام في هذه الوجوه ونقدها.
بقي هنا عدّة وجوه اخر قد استدلّ بها على نظريّة الأشعري أيضاً :
الأوّل : المعروف والمشهور بين الفلاسفة قديماً وحديثاً أنّ الأفعال الاختيارية بشتّى أنواعها مسبوقة بالارادة ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : أنّها إذا بلغت حدّها التام تكون علّةً تامّةً لها.
وتبعهم في ذلك جماعة من الاصوليين منهم المحقق صاحب الكفاية [٢] وشيخنا المحقق [٣]قدسسرهما. فالنتيجة على ضوء ذلك هي وجوب صدور الفعل
[١] في ص ٣٩٧ ، ٤٠٣. [٢] كفاية الاصول : ٦٧. [٣] نهاية الدراية ١ : ٢٨٥.