والنتيجة هي أنّ المولى على أساس حقّ الطاعة الثابت له بمولويّته الذاتيّة على المكلّفين له الحقّ بأن يحدّد مصبّ حقّ الطاعة ، كما له حقّ الطاعة على المكلّفين. فإذا أراد شيئا فإمّا أن يجعل مصبّ حقّ الطاعة نفس ذلك الشيء ، وإمّا أن يجعل مصبّ حقّ الطاعة شيئا آخر يؤدّي إلى ذلك الشيء المراد حتما. فيكون الداخل في عهدة المكلّف هو هذا المصبّ لحقّ الطاعة ، وحينئذ فالاعتبار حقيقته هو الكشف عن هذا المصب ، الذي جعله المولى لحقّ طاعته. والاعتبار هو الذي يستخدم غالبا وعادة لبيان هذا المصبّ ، وإلا فبإمكان المولى أن يبيّن مصبّ حقّ الطاعة بنحو آخر غير الاعتبار ، بأن يبيّن الملاك للمكلّف مباشرة من دون توسّط الوجوب ونحوه. وهذا يتحقّق في القضايا الخارجيّة غالبا ، وهذا النحو يسمّى بالإبراز الذي يشمل الاعتبار أيضا [١]
ومن هنا فالاعتبار قد يتّحد مع مصبّ إرادة المولى بأن يكون الاعتبار كاشفا عن المصبّ الذي أراده المولى مباشرة ، وقد يكون الاعتبار مغايرا لمصبّ إرادة المولى بأن يصوغ المولى الحكم على المقدّمة المؤدّية إلى الشيء المراد ، ومثاله : أن يكون الغرض المولوي والمطلوب الحقيقي هو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر. فهنا إمّا أن يصوغ الاعتبار بنحو متّحد مع هذا المراد فينهى عن الفحشاء بأحد الصيغ ، أو يصوغ الاعتبار على المقدّمة الموصلة لهذا الانتهاء كالصلاة مثلا فيأمر بها ؛ لأنّها مؤدّية إلى الانتهاء بنظر الشرع.
هذا بالنسبة للحكم الواقعي.
وأمّا الأحكام الظاهريّة فهي مثار لبحث واسع ، وجّهت فيه عدّة اعتراضات للحكم الظاهري تبرهن على استحالة جعله عقلا [٢]، ويمكن تلخيص هذه البراهين فيما يلي :
[١] فالإبراز أعمّ من الاعتبار ؛ لأنّه يشمل حالات إبراز الملاك من دون جعل الحكم والوجوب ومن دون اعتبار له على ذمّة المكلّف ، بينما الاعتبار معناه خصوص إبراز الملاك والحكم ، فجعله على ذمّة المكلّف بنحو فيه إعمال للقانونيّة التشريعيّة المولويّة. [٢] أثيرت هذه الشبهة حول حجيّة خبر الواحد غير القطعي من قبل محمّد بن عبد الرحمن المعروف بابن قبة على ما نسب إليه في المعالم : ١٨٩ ، كما نسب إليه الشبهة المذكورة أيضا حول حجيّة مطلق الأمارات غير القطعيّة في كتاب أجود التقريرات ٢ : ٦٣.