ذكرت من بكاء سيّدة النساء حين عانقت أباها صلىاللهعليهوآله وهو مجروح ، ما حال سكينة [١] لمّا استوقفت أباها وقد اُثخن بالجراح ، وبقي من كثرة رشق النبال كالقنفذ ، فقالت :
يا أبتاه ، قف لي هنيئة لأتزوّد منك ، فهذا وداع لا تلاقي بعده ، وانكبّت على يديه ورجليه تقبّلهما وتبكي ، فبكى الحسين عليهالسلام رحمة لها ، ثم مسح دموعها بكمّه ، وأخذها فتركها في حجره ، ومسح دموعها بكفّه وأنشأ مخاطباً لها :
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي
منك البكاء إذا الحمـام دهاني
لا تحرقـي قلبي بدمعك حسرة
ما دام منّي الروح في جثماني
فإذا قتلـت فأنـت أولى بالذي
تأتينـه يـا خيـرة النسـوان
واعتنقت أباها يوم الحادي عشر من المحرم كما اعتنقت جدّتها الزهراء أباها يوم اُحد ، لكن شتّان بين من اعتنقت أباها وهو حيّ جالس ، وبين من اعتنقته وهو مطروح على الرمضاء بحرارة الشمس ، عاري اللباس ، قطيع الرأس ، منخمد الأنفاس ، في جندل كالجمر مضطرم.
ثوى ثلاث ليالٍ بالعراء بلا
غسلٍ ولا كفن لله من حكم
ورجع رسول الله صلىاللهعليهوآله من اُحد يوم الوقعة فمرّ بامرأة من الأنصار اُصيب أبوها وزوجها ، فلمّا نُعيا إليها قالت : ما فعل برسول الله صلى الله
[١] سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهالسلام ، كريمة نبيلة ، كانت سيّدة نساء عصرها ، توفيت سنة ١١٧ هـ ، نسب إليها بعض المؤرّخين اُمور نقطع بكذبها وافترائهاعليها.
انظر : الطبقات الكبرى ٨ : ٣٤٨ ، الدر المنثور : ٢٤٤ ، الأعلام ٣ : ١٠٦.