وثانيا : ربّما يكون ابن فضّال ثقة عند العلّامة مقطوعا على أنّه لم يفتر في مثل ذلك وعلى أنّه لم يتكلّم عادة إلّا بأمر بيّن واضح عنده ، ونحن أيضا نعلم أنّ مثل ابن فضّال لم يرض أن يتكلّم بمثل هذا الكلام في شأن مثل ابن عثمان بمجرّد الظنّ أو بالافتراء ، وذلك لأنّ اعتماد قدمائنا على تعديل ابن فضّال وجرحه قرينة على أنّه كان ثقة في هذا الباب ، يشهد بما قلناه من تتبّع كتاب الكشّي.
ثمّ قال أدام الله أيّامه :
قد اشتهر أنّه إذا تعارض الجرح والتعديل قدّم الجرح. وهذا كلام مجمل غير محمول على إطلاقه كما قد يظنّ ، بل لهم فيه تفصيل مشهور وهو أنّ التعارض بينهما على نوعين :
الأوّل : ما يمكن الجمع فيه بين كلامي المعدّل والجارح كقول المفيد رحمهالله في محمّد بن سنان : إنّه ثقة ، وقول الشيخ ـ طاب ثراه ـ : إنّه ضعيف ، فالجرح مقدّم ، لجواز اطّلاعه على ما لم يطّلع عليه المفيد.
الثاني : ما لا يمكن الجمع بينهما كقول الجارح إنّه : « قتل فلانا في أوّل الشهر » وقول المعدّل : « إنّي رأيته في آخره حيّا » وقد وقع مثله في كتب الجرح والتعديل كثيرا ، كقول ابن الغضائري في داود الرقّي : إنّه كان فاسد المذهب لا يلتفت إليه ، وقول غيره : إنّه كان ثقة ، قال فيه الصادق عليهالسلام : « أنزلوه منّي منزلة المقداد من رسول الله صلىاللهعليهوآله » [١] فهاهنا لا يصحّ إطلاق القول بتقديم الجرح على التعديل ، بل يجب الترجيح بكثرة العدد وشدّة الورع والضبط وزيادة التفتيش عن أحوال الرواة ، إلى غير ذلك من المرجّحات. هذا ما ذكره علماء الاصول منّا ومن المخالفين.
لأنّ أبان بن عثمان قال الكشّي : « اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه » [٢] وهو صريح بتوثيقه ، فقول ابن فضّال لا التفات إليه ، لكونه فاسد المذهب محقّقا. والمصنّف لم يفهم وضع المسألة حتّى حكم بأولويّة ضعفه وجعله من جملة تحقيقاته ، وقد صدق في ذلك ، لأنّ كلّ تحقيقاته أوهام من هذا القبيل.
[١] رجال الكشّي : ٤٠٢. [٢] رجال الكشّي : ٣٧٥ ، الرقم ٧٠٥.