وبين الله قرابة فحباهم بالقياس في دينه دون نبيّه 6 ودون غيره من النّاس أجمعين ، حيث يقول مخاطبا أكرم خلقه وأعزّهم عليه وأقربهم منزلة منه : ( ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) [ الجاثية : ١٨ ] ولا شك في أن أهواء الّذين لا يعلمون المنهي إتباعه في منطوق الآية هو القياس والرأي والاستحسان ، لأنهم لو كانوا من الّذين يعلمون ، وكانوا متّبعين لشريعته التي جعله الله تعالى عليها ، ورجعوا إلى الّذين يعلمون ، أعدال كتاب الله وحملة علم رسول الله 6 الأئمة الهداة من أهل بيته 6 لأغناهم ذلك عن القياس والوقوع في الضلال ، ولكن : ( وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ) [ النمل : ٨١ ].
ما استدل به الخصم على جواز العمل بالقياس باطل
وأما استدلال الخصوم بقوله تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ ) [ النساء : ١٠٥ ] على جواز العمل بالقياس فمردود وحجّة لنا عليهم لا لهم :
أما أولا : فلظهور الآية بقرينة صدرها أنها تريد الحكم بما أنزل الله تعالى في القرآن ولا شيء من القياس مما أنزله الله في الكتاب.
ثانيا : إن كلّ ما أنزله الله تعالى في الكتاب مقطوع بأنه حقّ وأنه من وحي الله تعالى إلى نبيّه 6 وليس القياس منه لأنه ليس بحق ولا أقلّ من الشكّ فيه فلا تشمله الآية ، والتمسك ، بها لإثباته دور صريح وهو باطل وذلك مثله باطل.
ثالثا : لا يجوز الحكم بين النّاس إلاّ بما أنزل الله وما أنزل الله لا يكون إلاّ وحيا ولا شيء من القياس من وحي الله ، وفي القرآن يقول الله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) [ المائدة : ٤٤ ] وفي آية أخرى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [ المائدة : ٤٥ ] وفي ثالث : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) [ المائدة : ٤٧ ] فلو كان يريد القياس لزم نسبة الحكم إلى النبيّ 6 بين النّاس بغير ما أنزل الله وهو باطل ، فالعمل بالقياس مثله باطل.