سابعا : قوله : ( إنّ الإمام هو مروج الأحكام والحافظ العلماء ).
فيقال فيه : إن أراد بالعلماء نفسه ومن كان مثله فنحن لا نشك في أنهم من الجاهلين ، وإن أراد بهم المجتهدين في الأحكام وأنهم حافظون للشريعة من الزيادة أو النقصان والضياع والاضمحلال ففيه ما تقدم ذكره من أن المجتهدين قد يخطئون فيؤدي خطؤهم إلى إضاعة الشريعة وإدخال النقص أو الزيادة فيها ، وأن اجتهادهم لا يغنيهم من حفظ أنفسهم من الخطأ فكيف يحفظون غيرهم ، فإذا كانوا لا يسلمون على حفظ أنفسهم فكيف يا ترى يسلم غيرهم : ( والفاقد لا يعطى والناقص لا يكمل ).
فيقال فيه : أمّا الكتاب فهو نفسه يحتاج إلى حافظ وذلك الحافظ يجب أن يكون معصوما ، لأن غيره ينسى ويخطأ فلا يصلح أن يكون حافظا ، ولو كان نفسه حافظا من دون قيّم عليه لبطل قول النبيّ 6 : ( إنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ) لأنه 6 إنما قرن عترته أهل بيته : بكتاب الله ليكونوا قائمين به ، ومبيّنين للناس أحكامه ، وحافظين له من تحريف الضالّين وانتحال المبطلين ، والقول ببطلان قول النبيّ 6 كفر وضلال ، ومن ثم لا يمكن أن يكون حافظا للشريعة لعدم إتيانه على كافة الأحكام التفصيلية من صلاة وزكاة وحج ونحوها ، ولاشتماله على الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه.
وغير المعصوم يخطئ فيختلط عليه أمر الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه ولا يهتدى إلى فهم معناه كلّ أحد ، وقال تعالى : ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) [ يس : ١٢ ] فلا بد أن يكون هناك إمام مبيّن لغوامضه وأسرار دقائقه وتفصيل أحكامه وناسخه ومنسوخه ، وهذا شيء لا يستطيع عليه حتى المجتهدون فضلا عن غيرهم من الجاهلين الّذين يحكمون في الدين بالرأي والهوى والعصبية