وإن شئت قلت : إنّ إجراء الأصل فرع
إحراز الإمكان الواقعي وهو بعدُ لم يحرز إلاّ بنسبة خمسين بالمائة ، لاحتمال عدم
وجود الملازمة ، لا مائة بالمائة لاحتمال وجود الملازمة ومع التردد ، فالإمكان
الذاتي غير محرز ، ومعه لا يمكن جعل الحكم الظاهري على خلافه.
وعلى هذه الضابطة أخرج الشيخ الأنصاري
الموارد الثلاثة من مجرى البراءة ، أعني : موارد النفوس والأعراض والأموال
المحتملة إباحتها وحرمتها ، وذلك لأنّه لو كان هناك حكم في حرمتها فهو فعليّ
واقعاً وظاهراً ، ومع هذا العلم الجزمي ولو على وجه التعليق لا يمكن الحكم
بالبراءة ، لأنّ لازمه جعل حكم ظاهري يخالف الحكم الواقعي الذي لو كان واقعاً كان
فعلياً قطعاً.
وبهذا تمتاز هذه الأُمور الثلاثة عن شرب
التتن ، إذ يمكن جعل الإباحة في شربه ، فانّه لو كان هناك حكم واقعي كالحرمة فهو
ليس بفعلي قطعاً ، بخلاف الأُمور الثلاثة إذ لو كان هناك حكم باسم الحرمة لكان
فعلياً بلا ريب.
وإن شئت قلت : إنّ مفاد جريان الاستصحاب
هو نفي الوجوب الفعلي حتى على فرض الملازمة بين الوجوبين ، وهو خلف ، لأنّ جريان
الأصل إنّما يصحّ على فرض عدم الملازمة.
هذا غاية توضيح مرام السيد المحقّق
البروجردي ، وقد ناقش فيه شيخنا الأُستاذ ـ مد ظله ـ بما هذا بيانه :
أوّلاً
: بأنّ العلقة التكوينية موجودة بين الإرادتين ، وأمّا العلقة بين الوجوبين فليست
تكوينية ، إذ من الممكن إيجاب ذي المقدّمة دون إيجابها ، بخلاف الإرادتين فانّ
التوالي هناك أمر لا يمكن التخلّص عنه.
وثانيا
: انّ ما ذكره مبني على شرطية إحراز الإمكان الذاتي في جريان الأصل ،