وبذلك تشبّهوا في كلامهم هذا من غير وعي
بقول النصارى ، حيث قالوا : بأنّ المسيح كلمة اللّه وهي قديمة ، وهؤلاء أيضاً
قالوا بأنّ القرآن كلام اللّه وهو قديم ، وقد أثبتنا في بحوثنا الكلامية أنّ القول
بأنّ التكلّم من صفات الذات وانّ كلامه قديم والقرآن أمر غير حادث ، إنّما تسرّب
من قبل علماء النصارى الذين كان لهم صلة وثيقة بعلماء البلاط الأموي والعباسي. [١]
ثمّ بعد الاتّفاق بأنّ التكلّم من صفات
الذات اختلفت الأشاعرة والحنابلة في تفسير تلك الصفة ، فالحنابلة قالوا بأنّ كلامه
وحروفه وجمَله وأصواته قديمة حالّة في الذات [٢]
، ولما كان هذا القول واضح البطلان ، حاول الإمام الأشعري ـ لما تاب عن الاعتزال والتحق
بأهل الحديث ـ حاول أن يصحح عقيدة أهل الحديث بكون التكلّم من صفات الذات وانّه
قديم بقدم الذات ، خالياً عن تلك الوصمة العالقة بعقيدة أهل الحديث ، وذلك من خلال
تفسير كلامه بالكلام النفسي.
وكان من نتائج القول بالكلام النفسي هو
تعدد الطلب والإرادة ، وسيوافيك عند دراسة أدلة الأشاعرة انّ القول بالكلام النفسي
يلازم تعدد الطلب والإرادة.
الثانية : ما هو
المراد من الكلام النفسي؟
إنّ الكلام النفسي الذي طرحه الإمام
الأشعري في تفسير كلامه سبحانه قد اكتنفه غموض كثير ، حتى أنّ المحقّق الطوسي وصفه
بأنّه غير معقول ، وقال : والنفساني غير معقول. [٣]
وقد نقل الشريف المرتضى عن شيخه المفيد
أنّه كان يقول : ثلاثة أشياء لا
[١] انظر كتاب بحوث
في الملل والنحل : ٣ / ٣٧٩ ، لشيخنا الأُستاذ ( مد ظله ).