كل إفراط
بتفريط فقد انبرت طائفة بوجه المجسمة التي نزلت باللَّه سبحانه إلى مرتبة الجسم
فاعتمدت عقيدة التعطيل لتقول باستحالة معرفة اللَّه لا على مستوى كنه ذاته ولا
أوصافه، ولا تحسن سوى المفاهيم السلبية من صفات اللَّه، فكل ما نفهمه من قولنا
أنّه عالم هو أنّه ليس بجاهل، امّا عالميته المطلقة فهى خافية علينا تماماً، وعليه
فمن مواضع فخر الإنسان أن يودع مسألة معرفة اللَّه بوتقة النسيان ولا يقترب من هذا
الوادي الذي ينطوي على ظلمات دامسة ويتناقض والتعاليم القرآنية المسلمة التي
تقودنا إلى معرفة اللَّه.
ختتم بحثنا بعبارات اخرى أوردها الإمام عليه السلام في نهج البلاغة بهذا
الخصوص فقال:
«لم يطلع العقول على تحديد صفته ولم
يحجبها عن واجب معرفته فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود
تعالى اللَّه عمّا يقول المشبهون به والجاحدون له علواً كبيراً» [1].
فالحق أنّ هذا التعبير هو الخط المعتدل الفاصل بين الإفراط والتفريط (المشبهة
والمعطلة) في معرفة اللَّه. هذا وقد شحن نهج البلاغة بالكلمات البليغة الرائعة
التي تضمنتها خطبه عليه السلام بشأن صفات اللَّه والسبيل الصحيح لتوحيده سبحانه،
وسنتعرض في أبحاثنا القادمة لخطبه عليه السلام بهذا الخصوص.
3- نفيالحدوث الذاتي والزماني للذات القدسية
تفيد عباراته عليه السلام بهذا الشأن أنّ الذات الإلهية منزهة عن الحدوث
الذاتي والحدوث الزماني. والمراد بالحدوث الزماني هو وجود الشيء في الزمان، أو
بتعبير آخر مرور المدّة الزمانية على شيء لم يكن موجوداً ثم يوجد. وهذا هو المعنى
المتصور بعد خلقه عالم المادة؛ لانّ الزمان انبثق من خلال خلقة العالم المادي بحيث
أصبح هناك مفهوم للحدوث والعدم الزماني.
أمّا الحدوث الذاتي فالمراد به الشيء الحادث في ذاته بغض النظر عن ظهور عالم
المادة، أو