يختتم الإمام عليه السلام خطبته بالشكوى إلى اللَّه بقلب كسير وأنين متواصل من
مثل هؤلاء الجهال المتشبهين بالعلماء والقضاة من عبدة الأهواء والشهوات الذين
مردوا على الغرور وحب الذات، فقال عليه السلام:
«إلى اللَّه أشكو من معشر يعيشون
جهالًا، ويموتون ضلالًا»
. والواقع هو أنّ الإمام عليه السلام ينعتهم بصفات اخرى استمراراً لما وصفهم
به في السابق، فحياتهم بأكملها جهل في جهل فلم يكن موتهم سوى ضلال في ضلال (ففي
الحقيقة ان العبارة الثانية نتيجة حتمية للعبارة الاولى) فكيف لا يموت على الضلال
من يفني عمره في الجهل.
أمّا الصفة الاخرى لهم والتي تعدّ علامة فارقة للتعرف عليهم هى:
أبور [2] من
الكتاب إذا تلى حق تلاوته، ولا سلعة أنفق [3] بيعاً ولا أغلى ثمناً من الكتاب إذا
[1] «سلعة» على وزن فرقة، المتاع
والبضائع التجارية، وفي الأصل جاءت من مادة «سَلْع» بمعنى الفتحة أو الفُرجة أو
الشق، وتطلق على ثغرة الجبل أو شق الجبل، وبما أن البضائع التجارية توضع بشكل علني
في منظر ومرآى العيون، لذلك سميت «سلعة».
[2] «أبور» من مادة «بَوْر» على وزن
غَوْر بمعنى الهلاك والفساد، ومن هنا يطلق هذا اللفظ على الركود في السوق لانه
يتسبب في أضرارٍ لرؤوس المال.
[3] «أنفق» من مادة «نفاق ونفوق»، وفي
الأصل بمعنى الزوال والانعدام، ومن هنا يقال للعطاء والصرف «انفاق»، والظاهر بان
ذلك يطلق على الاموال التي تصرف أو تنفق، أي التي تخرج من اليد، واذا استفيد من
اللفظ في موضوع الانفاق والعطاء فيكون معناها، البذل والمساعدة، حيث يقصد بها
الأموال التي يتم انفاقها.
ويطلق أيضا على رواج الأمتعة في السوق «نَفاق» على وزن «طلاق» وذلك لانها
تُسْترى بسرعة من قبل الناس، وبذلك تخرج من السوق.