المصرين، وقد بايعت لطلحة بن عبيدالله من بعدك، فأظهر الطلب بدم ثمان،
وادْعُوا الناس إلى ذلك، وليكن منكما الجدّ والتشمير، أظفركما الله، وخذل
مناوئكما! فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سُرّ به، وأعلم به طلحة وأقرأه إياه،
فلم يشكاً في النصح لهما من قبل معاوية، وأجمعا عند ذلك على خلاف علي عليه السلام.
جاء الزبير وطلحة إلى علي عليه السلام بعد البيعة بأيام، فقالا له: يا
أميرالمؤمنين، قد رأيت ما كنّا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلّها، وعلمت رأى
عثمان كان في بني أمية، وقد ولّاك اللَّه الخلافة من بعده، فولّنا بعض أعمالك،
فقال لهما: ارضيا بقسْم الله لكما، حتى أرى رأيي، واعلما أنّي لا أشرك في أمانتي
إلّامن أرضى بدينه وأمانته من أصحابي، ومن قد عرفت دخيلته، فانصرفا عنه وقد دخلهما
اليأس، فاستأذناه في العمرة.
طلب طلحة والزبير من علي عليه السلام أن يولِّيهما المصرين: البصرة والكوفة،
فقال حتى أنظر. ثم استشار المغيرة بن شعبة، فقال له: أرى أن تولِّيَهما إلى أن
يستقيم لك أمر الناس. فخلا بابن عباس، وقال: ماترى؟ قال: يا أميرالمؤمنين، إنّ
الكوفة والبصرة عَيْن الخلافة، وبهما كنوز الرجال، ومكان طلحة والزبير من الإسلام
ما قد علمت، ولستُ آمنهما إن ولّيتَهُما أن يُحْدِثا أمراً. فأخذ علي عليه السلام
برأى ابن عباس.
لما خرج الزبير وطلحة من المدينة إلى مكّة لم يلقيا أحدا إلّاوقالا له: ليس
لعلي في أعناقنا بيعة، وإنّما بايعناه مكرَهين. فبلغ علياً عليه السلام قولهما،
فقال: أبعدهما اللَّه وأغرب دارهما، امّا واللَّه لقد علمتُ أنّهما سيقتُلان
أنفسهما أخبث مقتل، ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم، واللَّه ما العُمرةَ يريدان،
ولقد أتياني بوجهي فاجريْن، ورجعا بوجهي غادرين ناكثين، واللَّه لا يلقياننى بعد
اليوم إلّافي كتيبة خشناء، يقتلان فيها أنفسهما، فبُعْداً لهما وسحقاً. [1]
ثم أضاف عليه السلام أنّ لباس الدين وجلبابه هو الذي يجعلني أغض الطرف عنكم
(ولا أهتك سريرتكم):