الحرام) (و على هذا الضوء فان العبارات المذكورة وصف لعصر الجاهلية) بينما قال
البعض الآخر أريد بها الشام حيث كانت من الأراضي المقدسة ومهبط الأنبياء وأهلها شر
جيران؛ أي أصحاب معاوية (إذا اعتبرنا عبارات الإمام عليه السلام واردة بشأن عصره).
الاحتمال الثالث أن يراد بقوله خيردار الكوفة التي كان يقيم فيها الإمام عليه
السلام بينما كان أهلها ومن يحيط بها من شر الجيران من قبيل المنافقين والناكثين
الذين لا يلتزمون بالعهود. وأخيراً الاحتمال الرابع أن يكون المراد بها دار الدنيا
التي يسكنها أغلب الطالحين والاثمين ويبدو التفسير الأول هو الأنسب والأصوب حيث
ينسجم والعبارات المذكورة سابقاً.
و على ضوء هذا التفسير فان قوله عليه السلام «نومهم سهود» إشارة إلى الفوضى
والاضطراب وإنعدام الأمن والمصائب التي عمت عصر الجاهلية، والعلماء أولئك الصلحاء
الذين تمحوروا حول رسول الله صلى الله عليه و آله والجهال أولئك المفسدون من قريش
ومن لف لفهم؛ أمّا على ضوء سائر التفاسير فان المراد الفوضى وإنعدم الأمن في زمان
معاوية والمشاكل التي برزت بين العراق والشام آنذاك، وقد ألمحنا سابقاً إلى عدم
انسجام هذه التفاسير وروح الخطبة.
والشاهد على ذلك إضافة لما ذكر، ما أورده إبن أَبي الحديد في شرحه لنهج
البلاغة حيث قال: أنّه عليه السلام لم يخرج من صفة أهل الجاهلية وقوله «في خير
دار» يعني مكة و «شر جيران» يعني قريشا، وهذا لفظ النبي صلى الله عليه و آله حين
حكى بالمدينة حالة كانت في مبدأ البعثة فقال
فهو إشارة لطيفة إلى تفاقم الفوضى والاضطراب ومصائب ذلك الزمان بحيث إذا
خلدوا ليلا إلى النوم كان نومهم مضطربا مشوبا بالخوف والرعب والسهاد، وقد إتسعت
هوة الفتن بحيث إكتحلت عيونهم بالدموع التي تحرق أجفانها بدلًا من تزينها بالكحل.
و من الطبيعي وفي ظل هذه الاجواء وفي تلك الديار والمجتمعات أن يغيب دور
العلماء وتهمل مكانتهم وبالمقابل يبرز الجهال الذين كانوا يمثلون زعماء قريش
وكبرائها ليحظوا