و قبل الشروع في هذه لا بد لنا من إيضاح محل البحث و ما نروم إثباته.
الحرج على أنواع
ان العسر و الحرج في الأفعال يكون على أقسام، فتارة يبلغ حدا لا يطيق المكلف
تحمله.
و اخرى، يكون ما دون ذلك و لكن تحمله يوجب اختلال النظام.
و ثالثة؛ لا يبلغ ذا و لا ذاك؛ و لكن يستلزم الضرر في الأموال أو الأنفس أو
الاعراض و رابعة، لا يوجب شيئا من ذلك بل يكون فيه مجرد المشقة و الضيق.
اما الأول أعني التكاليف الحرجية البالغة حد ما لا يطاق فلا إشكال في خروجه عن
محل البحث و قد عقدوا له بحثا آخر في الكتب الكلامية و بعض الكتب الأصولية، و
اختلفوا في جوازه و استحالته، بعد اتفاقهم على عدم وقوعه في الشريعة الغراء، و لكن
الظاهر ان القول بجوازه و إمكانه من الفروع الفاسدة المنشعبة عن شجرة خبيثة، و هي
إنكار الحسن و القبح العقليين المعروف بين قدماء الأشاعرة، و على كل حال فهو خارج
عن نطاق البحث هنا.
و من هنا تعرف النظر في كثير من كلمات العلامة النراقي (قده) في عوائده حيث
ذكر كثيرا من الأدلة النقلية و العقلية الدالة على بطلان التكليف بما لا يطاق في
عداد أدلة القاعدة، و ان اعترف بأنها تختص بقسم خاص من الحرجيات و انها أخص من
المدعى و لا تقوم بإثبات جميعها. و لكن الإنصاف انها خارجة رأسا عن حيطة القاعدة
المعروفة المتداولة بين القوم. بل لا يعبرون بالحرج الا عن التكاليف الممكنة
المشتملة على الضيق و الشدة و اما التكاليف غير المقدورة فيعبرون عنها بما لا يطاق
و لا كلام لأحد من أصحابنا في بطلانها.
و اما الثاني فهو أيضا كسابقة خارج عن محل الكلام في هذه القاعدة المشهورة،
لانصراف كلماتهم و عبائرهم عنه، لان قبح التكاليف الموجبة لاختلال النظام مما