الأخرى تؤدي كلها الى إضعافها الى درجة يمكن القول معها بأنَّ عدمها خير من
وجودها، و ذلك لأنَّ وجودها يساعد على تنفيذ مآرب المتنفذين المشئومة.
و حتى لو كانت قوانينها عادلة. و قضاتها متقين و واعين، فإنَّ هناك الكثير من
المجرمين القادرين على اخفاء معالم جرائمهم، أو الماهرين الذين يستطيعون تزييف
المستندات و الأدلة بحيث لا يجد القاضي طريقه بوضوح، فيجردون القوانين بذلك من
محتواها.
المحكمة الثانية التي يحاكم فيها الانسان هي محكمة «جزاء الاعمال».
إنَّ لأعمالنا آثاراً و نتائج تصيبنا على المدى القريب أو البعيد. و إذا لم
يكن هذا حكماً عاماً، فإنَّه يصدق في الاقل بالنسبة لكثير من الناس.
لقد رأينا حكومات شيدت حكمها على الظلم و الجور و الاعتداء و لم تأب من ارتكاب
أي جريمة شاءت، و لكنها في النهاية وقعت في فخاخ نصبتها بنفسها لنفسها و سقطت في
شباك نسجت خيوطها بيدها، فحاقت بها ردود افعالها، فانهارت و تلاشت حتى لم يبق لها
أثر.
و لما كانت نتائج الاعمال هي العلاقة بين العلة و المعلول و العلائق الخارجية،
فقلما استطاع أحد أنْ ينجو من مخالبها بالتزوير و التزييف، كما يفعلون في المحاكم
العادية. و لكن كل ما في الأمر إن هذه المحاكم ليست عامّة و شاملة، و لهذا فهي
ليست قادرة على جعلنا في غنى عن محكمة يوم القيامة.
أمّا المحكمة الثالثة، و هي أدق و أقسى من محاكم النوع الثاني، فهي محكمة
الضمير.
و في الواقع، كما أنَّ المنظومة الشمسية بنظامها العجيب قد تمثلت مصغرة جداً