فإنّ جميعها
تشهد على أنّ المقصود من الإسراف في الحج إنّما هو هذا القبيل من الصلات و
الإنفاقات و الهدايا [2] لا إحراق ملايين من الشياه و
البقر و الإبل.
و ثالثاً:
يشهد لما ذكرنا ما ورد في ذيل نفس الرواية المبحوث فيها فإنّ قوله
«فرحم اللَّه مؤمناً اكتسب طيّباً و أنفق من قصد
أو قدّم فضلًا»
يقتضي دوران
أمر نفقات الحاجّ بين القصد و تقديم الفضل، و الأوّل هو ملاحظة الاعتدال، و الثاني
هو بسط اليد و البذل، لا إلقاء النعم الالهية في المزابل أو دفنها و إحراقها.
و رابعاً:
أضف إلى ذلك كلّه أنّ محل الكلام هو من مصاديق التبذير لا الإسراف، فإنّ الفرق
بينهما- كما مرّ- أنّ الإسراف هو الخروج عن حدّ الاعتدال من دون تضييع، و التبذير
ما يؤدي إلى التضييع و الإفساد.
النّسبة
بين حكم الأضحية و حرمة الإسراف و التّبذير
إذا عرفت
هذا، فيأتي الكلام في أنّه ما هي النسبة بين الدليلين: دليل وجوب الأضحية، و دليل
حرمة التبذير أو الإسراف؟
فإن قلنا:
إنّ دليل وجوب الأضحية لا إطلاق له بالنسبة إلى المصاديق
[2]- و من الطريف جداً أنّ المستفاد من بعض
الروايات كون تهيئة الهدايا و إكثار النفقة في الحج أيضاً محدود بحدود و قيود، فقد
روي عن شهاب بن عبد ربّه أنّه قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (ع) قد عرفت حالي وسعة
يدي و توسّعي على إخواني فأصحب النفر منهم في طريق مكّة فأوسّع عليهم، قال: لا
تفعل يا شهاب، إن بسطت و بسطوا أجحفت بهم، و إن هم أمسكوا أذللتهم، فأصحب نظراء ك
أصحب نظراءك» (ابواب آداب السفر الباب 33، الحديث 1).