إن قلت: إنه قد ورد في بعض كلمات الأعاظم (قدس سرهم) أن ولاية الفقيه مطلقة لا
تقييد فيها.
قلت: نعم هي كذلك، و لكن المراد منه أنه لا تتقيد بالضرورة و الاضطرار و شبه
هذه الأمور، توضيح ذلك: أنه قد تطلق العناوين الثّانوية و يراد منها جميع ما ينطبق
عليه التعريف الذي ذكرنا آنفاً، و لها حينئذ عرض عريض يشمل العناوين العشرة
السابقة و غيرها.
و أخرى تطلق و يراد منها خصوص الضرورة و الاضطرار، فمعنى خروج ولاية الفقيه عن
العناوين الأولية و الثّانوية هو الأخير، و حينئذ لا مانع من انطباق عناوين أخرى
عليه.
و الشواهد على ذلك كثيرة أولها: ما ذكر في كلماتهم من الأمثلة «منها» حكم
الفقيه بترك الحجّ في بعض السنين، و في بلد من البلاد، إذا كان هناك مصالح أهم منه
فإنه لا ريب في انطباقه على ما عرفت من قاعدة الأهم و المهم، فهل ترى أحداً من الفقهاء
يحكم بترك الحجّ الواجب بل المستحب لا لمصلحة شرعية تكون في الترك، أهم و أولى من
مصلحة فعلها؟ و «منها» إحداث الشوارع أو إبداع القوانين و الأنظمة الحاكمة على
مرور السيارات لما فيها من حفظ النفوس و الدماء التي تكون أهم من تخريب بعض البيوت
و إعطاء قيمتها كما هو حقّها (من دون إذن صاحبها) و كذلك سلب حرية الناس في
الشوارع و تقيدهم ببعض القيود، فهذه كلّها من مصاديق قاعدة الأهم و المهم، و لعمري
أن هذه الأمثلة من أقوى الشواهد على ما ذكرنا.
ثانيها: إن قلنا إن ولاية الفقيه لا تتقيد بشيء، فهل نقول بأنه لا تتقيد بمراعاة
مصالح المسلمين أبداً، أو نقول بوجوب مراعاتها عليه؟