فلذا نرى الرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله) عند ما هاجر إلى المدينة و ثبتت
قدماه في أرضها أقدم على تأسيس الحكومة الإسلامية قبل كلّ شيء، بتجنيد الجنود، و
تعيين بيت المال، و جمع الزكوات، و إرسال الرسل، و نصب القضاة و بعث العيون، و غير
ذلك، و لولاها لما ثبتت للإسلام قائمة، فإنه لم يكن الإسلام مجرد تبليغ الأحكام و
تعليمها، و أي أثر للتعليم المجرّد عمّا يوجب إنفاذ الأحكام و إجرائها، اللّهم
إلّا أثراً ضعيفاً، بل السرّ في انتشار الإسلام في أكثر بقاع المعمورة من الأرض في
مدة قليلة قد لا تبلغ قرناً واحداً، هو اعتماده على تأسيس الحكومة و إيجاد حُكم
يخضع لأوامره، كما لا يخفى على الخبير.
ثالثها: الروايات الكثيرة الدالّة على ضرورتها للأمة الإسلامية
منها ما يلي:
1- ما ورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه لما سمع كلام
الخوارج «لا حكم إلّا لله» قال
«كلمة حقّ يراد بها الباطل، و لكن
هؤلاء يقولون «لا إمرة إلّا لله» و أنه لا بدّ للناس من أمير برّ أو فاجر، يعمل في
إمرته المؤمن، و يستمتع فيها الكافر و يبلغ الله فيها الأجل، و يجمع بها الفيء، و
يقاتل بها العدو، و تؤمن به السبل، و يؤخذ به للضعيف من القوي»
أحدهما: الحكم بمعنى تشريع القانون الإلهي فهو منحصر بمشية الله و إرادته، و
الثّاني بمعنى إجراء هذا القانون، و هذا لا يكون إلّا بواسطة إنسان إن كان براً
فهو، و إلّا خلّفه فاجر، و لكن الخوارج قد لبسوا على أنفسهم و على الناس، بالخلط
بين المعنيين، ثمّ أشار (عليه السلام) إلى فوائد سبعة لتأسيس الحكومة لا تتيسر
بدونها.