فإن حاجة الإنسان إلى هذه الأشياء ذات المالية الشبه الاعتبارية ليس أمراً
موهوماً و ناشئاً من محض الاعتبار بل الحاجة إليها كالحاجة إلى الأغذية و المسكن و
المركب حيث تمثل أمراً واقعياً، و ذلك لأن حاجات الإنسان لا تنحصر في الحاجات
الضرورية بل هناك بعض الحاجات ذات جذور عميقة في عواطف الإنسان و مشاعره توجب
المالية لبعض الأشياء كالحاجة إلى التزين ببعض أدوات الزينة.
أضف إلى ذلك وجود خاصية في الذهب لا توجد في غيره، و هو بقاؤه طوال الأزمنة
المتمادية بلا أيّ تغيير و لا فساد، الأمر الذي أوجب له مالية ذاتية، فإنّ البشر
يميل للبقاء فيطلب كلّ شيء يوجد فيه هذه الحالة.
و من هنا يتضح عدم تمامية ما ذهب إليه بعض الأعلام من أنّ سرّ مالية الذهب
الغالية عند نوع البشر هو تسليط الله تعالى جنوناً عليهم لكي يطلبوا الذهب و
يعتبروا له مالية حتّى يقوم عليه نظام حياتهم الاقتصادية فهذا جنون إلهي لمصلحة
نوع البشر و إدارة أمور معاشهم فإنه لو لا ذلك لتعطّل أمر الاقتصاد.
لكنك قد عرفت أن للذهب مالية ذاتية لا اعتبارية.
3- مالية اعتبارية:
كالنقود الورقية فإن ماليتها بيد المعتبر و هو في زماننا الدولة أو الحكومة،
فإنك ترى أن قطعة صغيرة من الورق المصرفي تعتبر له مالية كثيرة بحيث تشترى به
أشياء غالية مع أن مالية نفس تلك القطعة من الورق قليلة جدّاً، و ترى أن نفس تلك
الدولة تسقط بعض أوراقها المصرفية عن المالية فلا تبذل بإزائها شيء من المال، و
هذا يعبر بوضوح عن المالية الاعتبارية في هذه الأوراق بحيث يكون أمر وضعها و رفعها
بيد المعتبر خلافاً للمالية الموجودة في الأحجار الكريمة مثلًا، فإنه لا يمكن لأحد
من الناس إسقاطها عن المالية.